Makhtutat Bahr Mayyit
مخطوطات البحر الميت وجماعة قمران
Noocyada
6
ويقول يوسيفوس مؤرخ القرن الأول بعد الميلاد (37-100)، في كتابه حروب اليهود (2-8) إنه كان عند اليهود في عصره فرق فلسفية ثلاث: «الفريسيون والصدوقيون والحاسيون»
7 - أو الآسيون أو الآسينيون - وأن هؤلاء ولدوا يهودا وتحابوا أكثر من غيرهم، وأنهم اعتبروا لذات الجسد شرورا وذنوبا، واعتزوا بالعفة والتعفف، وجعلوا من التغلب على الشهوات فضيلة. وهم يهملون الزواج وينتقون من أولاد غيرهم من يعتبرونهم منهم فيقبلونهم صغارا، بنين ذوي قابلية للتعلم ويطبعونهم بطبائعهم. وهم لا ينكرون صوابية الزواج وحفظ النسل، وإنما يحذرون سلوك النساء الفاسق مقتنعين أن ليس بينهن واحدة تحافظ على أمانتها لرجل واحد.
وهؤلاء الرجال يحتقرون الثروة والغنى، ويميلون جدا للتآلف والمشاركة، وليس بينهم من عنده أكثر من غيره؛ فالقانون بينهم يقضي بأن يقدم الداخل في زمرتهم ما عنده للجماعة، فلا ترى بينهم ظاهرة فقر ولا ظاهرة غنى، بل اختلاطا بين ملك الفرد وملك الآخرين، بحيث يتراءى لك أن هنالك إرثا واحدا لجميع الإخوة. وهم يرون في الزيت وسخا. وإذا مسح أحد به بدون موافقته مسح عنه مسحا، ويعتبرون عرق الجسم خيرا وكذلك ارتداء الأبيض، ولهم وكلاء خرج يعنون بشئونهم المشتركة، وليس لأحد منهم مصلحة خصوصية، وإنما العمل لمصلحة الكل.
وليس لهم مدينة معينة يقيمون فيها؛ فالكثيرون منهم يقيمون في كل مدينة. وإذا جاءهم أحد من فرقتهم من أماكن أخرى وضع ما عندهم تحت تصرفه كأنه له وبدأ هو في العمل كأنه يعرفه منذ زمن بعيد. وهكذا فإنهم لا يحملون شيئا معهم عند انتقالهم إلى أماكن بعيدة إلا أسلحتهم؛ خوفا من تعدي اللصوص. ولهم في كل مدينة يقيمون فيها واحد يعين للاعتناء بالغرباء يقدم لهم ألبسة ولوازم أخرى. ولكن عاداتهم الجسدية وسياسة أجسامهم تشبه أعمال الصغار الذين يخشون أسيادهم، ولا يستبدلون ألبستهم أو أحذيتهم إلا بعد أن تصبح خرقا بالية أفناها الزمن، ولا يبيعون شيئا ولا يشترون شيئا من بعضهم، بل يعطي كل منهم إلى غيره ما يحتاج إليه مما عنده، ويأخذ منه ما يوافق حاجته. ومع أنه ليس هنالك أي تعويض عما يؤخذ، فإنه يحق أن يأخذوا ما يحتاجون إليه من أي شخص آخر.
وخوف الله عندهم فوق العادة؛ فإنهم لا ينطقون بكلمة واحدة تتعلق بأمور الدنيا قبل شروق الشمس، بل يرفعون صلوات ورثوها عن آبائهم كأنهم يضرعون بها أن تشرق عليهم. وبعد هذا ينفذون بأمر نظارهم كلا إلى ممارسة العمل الذي يجيد، فيعملون بكل نشاط حتى الساعة الخامسة، ثم يجتمعون في مكان واحد ويستترون بنقاب أبيض، ويستحمون في الماء البارد. وبعد الانتهاء من هذا التطهير يجتمعون في مكان واحد لا يجوز لغيرهم الدخول إليه وينتقلون منه إلى قاعة الطعام أنقياء، كأنهم يؤمون هيكلا مقدسا فيجلسون صامتين، فيأتي الخباز ويضع أمامهم أرغفة الخبز بالترتيب، ثم يقدم الطاهي لونا واحدا من الطعام في صحن واحد أمام كل منهم، ويصلي كاهن قبل الطعام، ولا يجوز لأحد منهم أن يذوق الطعام قبل هذه الصلاة. ثم يصلي هذا الكاهن نفسه بعد الانتهاء من الطعام. وهم يشكرون الله في البداية والنهاية لما أنعم به من طعام عليهم، وبعد هذا يخلعون ثيابهم البيضاء ويعودون إلى أعمالهم حتى المساء، ثم يعودون لتناول العشاء بالطريقة نفسها. وإذا كان من غرباء بينهم فإنهم يجلسون معهم، ولا يعلو الضجيج بينهم أبدا لينجس بيتهم، فإنهم يفسحون المجال لكل واحد منهم أن يتكلم بدوره. ويرى الغرباء في هذا السكوت سرا عظيما، ولكن الواقع أنهم يمارسون الاعتدال باستمرار، فيتناولون دائما الكمية نفسها من المأكل والمشرب، وهي أكثر من أن تكون كافية.
وهم، والحق يقال، لا يفعلون شيئا في الأمور الأخرى إلا بموجب تعليمات نظارهم. وهم ليسوا أحرارا إلا في أمرين؛ في مساعدة المحتاج وفي الرحمة، ولهم أن يعاونوا من يشاءون ممن يستحق ذلك، وأن يعطوا الطعام إلى البائسين، ولكن ليس لهم أن يفعلوا ذلك بعضهم مع بعضهم الآخر بدون موافقة النظار. وهم يصرفون غضبهم بعدل ويمسكون عن شهواتهم. وقد اشتهروا بالأمانة والمسالمة، وقولهم أثبت من القسم، وهم يتحاشون إعطاء اليمين ويعتبرونه أسوأ من الحنث، فإنهم يقولون: «إن من لا يصدق إلا بعد اليمين يستحق الدينونة قبلها.» ويبذلون جهدا عظيما في درس كتب القدماء وينتقون منها أعظمها فائدة لنفوسهم وأجسادهم، ويفتشون عن جذور الأعشاب والحجارة ذوات الخصائص الطبية ليعالجوا بها أمراضهم.
وإذا شاء أحد أن يلتحق بفرقتهم لا يقبل فورا، بل يؤمر باتباع طريقهم في المعيشة سنة كاملة دون أن يعتبر واحدا منهم، ويعطى فأسا صغيرة والمنطقة المذكورة سابقا والثوب الأبيض، وبعد أن يعطي الدليل في تلك المدة على مقدرته في الاعتدال يقرب من أسلوبهم في العيش، فيشترك معهم في مياه التطهير، ولكنه يظل ممنوعا عن الاشتراك في العيش معهم. وبعد إثبات صبره على هذا الشكل تمتحن سجاياه سنتين أخريين، فإذا وجد لائقا ألحق بالجماعة. وقبل أن يسمح له بلمس طعامهم يستحلف على يمين شديدة بأن يخشى الله أولا، وأن يعدل بين الناس، وألا يلحق ضررا بأحد لا طوعا ولا إكراها، وأن يكره الشر دائما، وأن يتعاون مع الصلح، وأن يبقى أمينا لجميع الناس، ولا سيما أولي الأمر؛ لأنه لا يصل أحد إلى الحكم بدون معونة الله، وألا يسيء استعمال السلطة في حال وصوله إلى الحكم، وألا يحاول أن يفوق رعاياه بالبذخ والزينة، وأن يحب الصدق على الدوام ويؤنب الكاذبين، وألا يلطخ يديه بالسرقة ونفسه بالأرباح غير المشروعة، وألا يخفي عن أبناء فرقته أو يفشي بعقائدهم إلى الآخرين، ولو اضطره الأمر إلى المخاطرة بحياته. وكان عليه بالإضافة إلى ما تقدم أن يقسم أنه لا ينقل العقائد إلى أحد إلا بالطريقة نفسها التي تسلم هذه العقائد بها، وأنه يمتنع عن السرقة، ويحافظ على كتب الفرقة وأسماء الملائكة. هذه هي الأقسام التي ربطوا بها الداخلين في فرقتهم.
ومن يقع في الخطايا الشائنة يطرد من بين الجماعة، فيموت بائسا؛ لأنه يكون قد ارتبط بما أقسم، وبالعادات التي اعتادها، فلا يأكل ما يجد، بل يضطر أن يأكل العشب فيضعف جسمه حتى الهلاك، ويشفق عليه الجماعة فيعتبرون ما حل به من بؤس كفارة كافية عما ارتكب من خطايا، فيعيدونه إليهم في الرمق الأخير.
ويدققون كل التدقيق فيما يصدرون من أحكام، ويعدلون، ولا يصدرون حكما بتصويت محكمة يقل عدد أعضائها عن المائة. وما يحدد بهذا العدد يصبح غير قابل للتغيير، وما يحترمونه بعد الله كل الاحترام هو اسم مشترعهم، ومن يجدف عليه يحكم بالإعدام. ويستحسنون طاعة شيوخهم ورأي الأكثرية، فإذا اجتمع عشرة منهم لا يتكلم أحدهم إذا علم أن التسعة الآخرين لا يتفقون معه في الرأي. ويمتنعون عن البصق فيما بينهم وإلى يمينهم. وهم أشد حرصا على حفظ السبت من أي يهود آخرين، ولا يكتفون بإعداد طعامهم في اليوم السابق؛ كي لا يضطروا إلى إيقاد النار، بل إنهم لا يزيحون آنية من محلها ولا يتغوطون، وليس ذلك فقط؛ بل إنهم في الأيام الأخرى يحفرون برفش، تعطى لدى دخولهم في الجماعة، حفرة عمقها قدم، ويسترون أنفسهم بالثوب؛ كي لا يهينوا أشعة النور الإلهي، ويريحون أنفسهم في هذه الحفرة ثم يعيدون التراب الذي حفر منها إليها، وحتى هذا أيضا لا يفعلونه إلا في الأماكن المنفردة التي ينتقونها لهذه الغاية. ومع أن إراحة الجسد هذه أمر طبيعي، فإنهم يوجبون بالقانون غسل أنفسهم بعدها كأنها تنجسهم.
Bog aan la aqoon