أما وقد عرفنا القارئ إلى أبي طنوس تعريفا وافيا، فعلينا الآن بالقصة.
عندما وصل أبو طنوس إلى الخان، سبه صاحب العربة، وقال: «أتريد أن ننتظرك النهار كله؟ ألا تعرف أن العربات تمشي قبل وقتها في هذه الأيام؟» - لماذا؟ - لماذا؟! لأن القمر، يا عيني، متأخر مثلك الليلة. هات الأجرة واركب. تحرك. عجل.
دفع أبو طنوس أربعة بشالك، وتقدم نحو العربة، فرأى فيها شخصا واحدا ذا لحية مستديرة تخللها الشيب، وبيده كتاب يطالع فيه. قد تكون الصدف شرا صرفا في بعض الأحايين، وقد يكون في الشر خير مستتر، خصوصا إذا كان مثل أبي طنوس رفيق سفر لأحد الكهان.
ولكن أبا طنوس، عندما رأى الكاهن، امتقع لونه، وقال في نفسه: «الله يطرد الشيطان.» ثم هم أن يركب، فانتهره الحوذي؛ قائلا: «اركب من هذه الجهة. ألا تعرف أن المحترم يركب إلى اليمين؟»
فأجابه أبو طنوس قائلا: «أفضل أن أجلس إلى جنبك.» - أمجنون أنت؟ - نعم، أنا مجنون. - إذن اجلس جنب المحترم، فيقرأ عليك، ويطردهم عنك. - الله يطرد الشيطان. - ادخل، يا ابني، ادخل؛ قد تأخرنا.
عندما سمع أبو طنوس صوت الكاهن، أحس بشيء دخل قلبه، فأنار قصدا فيه، وحمله مسرعا إلى مجلسه في العربة.
قبل أن سافر أبو طنوس إلى أميركا، كان يقبل يد الكاهن ويدعو عليها ... أما الآن فيدعو عليها، ولا يقبلها. وقد حاول بعض أصدقائه المعتدلين أن يقنعوه أن بغضه الأعمى للإكليروس لا يساعد النهضة الإصلاحية بشيء، وقد يضر بها؛ فما اقتنع أبو طنوس، ولا انتصح.
قال أحد الكتاب: «إن الفكر الذي يتسلط على المرء هو شبه مخرز في الدماغ، وكلما طال عمله، تمكن هناك. فاقتلاعه في السنة الأولى شبيه باقتلاع شعرة من الرأس، وفي السنة الثانية بسلخ الجلد، وفي الثالثة لا يخرج بغير كسر العظم. أما في الرابعة، فيستحيل انتزاعه إلا إذا انتزع معه الدماغ.»
فمخرز البغض للإكليروس في دماغ أبي طنوس لا يكاد يرى؛ لعمقه. وقد مر على عمله ليس أربع سنوات فقط، بل بضع عشرة سنة.
بعد أن جلس أبو طنوس في العربة، رسم الحوذي على صدره إشارة الصليب، وأدار سوطه في الجو، ثم نزل به على الخيل وهو يتمتم قائلا: «على نية الله.»
Bog aan la aqoon