...فدك عبارة عن تسع أراضي زراعية تقع حول المدينة المنورة ، هال أهلها ما أوقع الرسول (ص) بأهل خيبر ، في السنة السابعة للهجرة ، وذلك لما عاندوا ، فأرسلوا إلى رسول الله (ص) ، مسلمين فدك بما فيها ، فدخلت فدك في حمى الإسلام ، بدون حرب ، ولا إيجاف خيل ، ولم يتعب المسلمون في الدخول إليها ، فكانت بهذا من نصيب رسول الله (ص) ، خصه الله بها من دون المسلمين ، فكانت في يده ، ولا يختلف جمهور المسلمين فيما أوردناه سابقا . نعم ! فكان رسول الله (ص) إمام المسلمين يتصرف في فدك كيف شاء ، أولا : لأنها ملكه دون المسلمين ، بإجماع الأمة. وثانيا : لأنه إمام المسلمين ، وهي تحت تصرفه، وفي هذا يقول الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ، متكلما عن أنواع الأراضي التي في يد الإمام : (( وأرض صالح عليها أهلها وهم في منعة فلا يؤخذ منهم ، إلا ما صولحوا عليه، مثل أهل نجران وغيرهم من البلاد ، فهذه أيضا لبيت مال المسلمين ، وأرض أجلي عنها أهلها ، وخلوها من قبل أن يوجف عليهم بخيل أو ركاب ، أو يقاتلوا ، مثل فدك ، فما كان من الأرضين على هذا فإمام المسلمين أولى بها يصرفها حيث شاء ورأى))(1)[1] ، وهو حق منه (ع) ، فالرسول إمام المسلمين وفدك في يده لهذا السبب ، وهي في يده أيضا لسبب تملكه لها دون المسلمين ، أما أراضي أهل نجران التي صالحوا رسول الله (ص) عليها ، فأرجعها رسول الله (ص) لبيت المال ، وصرفها كإمام غير مالك ، فهذه الخراجات والغلات النجرانية بعد رسول الله (ص) ، تكون من حق بيت مال المسلمين ، والإمام الشرعي هو المتصرف فيها ، وفرق بين أراضي أهل نجران وبين فدك ، فأراضي أهل نجران يتصرف فيها الرسول (ص) بغير ملكية منه لها ، بعكس فدك فإنه (ص) يتصرف فيها وهو المالك لها ، فلو أنه (ص) صرفها في غير بيت مال المسلمين ما أوخذ على ذلك ، لأنها في حقه وفي ملكه ، بعكس أراضي أهل نجران فإن صرفها في بيت مال المسلمين واجب ، فافهم ذلك ، لأنه أصل خطير ، يترتب على فهمه إيرادات وإصدرات كثيرة ، فرسول الله (ص) ما كان يصرف من فدك على المسلمين إلا تكرما وتفضلا ، لا حتما وإيجابا وفرضا من الله عليه ، كأراضي أهل نجران مثلا ، وقد روى أبي داود وغيره ما يثبت أن الرسول (ص) كان يتصرف بفدك تصرف المالك المستقل ، المنفق على البعض دون البعض ، كيفما شاء ، وأنه يخص بها جماعة دون جماعة حسب اختياره ، فروى أبي داود في السنن أن عمر بن عبدالعزيز جمع بني مروان وقال لهم : ((إن رسول الله ، كانت له فدك فكان ينفق منها ويعود منها على صغير بني هاشم ويزوج منها أيمهم))(1)[2] .
---
Bogga 2