...أضف إلى ذلك أننا نستطيع أن نأخذ بظاهر ما فهمناه أخي المعترض من كلام المؤيد بالله ، ونرجعه إلى أصول المؤيد بالله ، فلو كان المؤيد بالله (ع) يريد أن فدك ترجع إلى إمام المسلمين ، فهو يقصد أنها ترجع للإمام الشرعي ، وليس إماما شرعيا في ذلك الزمان إلا علي بن أبي طالب (ع) ، دون أبي بكر ، والإمام علي وأولاده ملاك فدك ، فاليد يدهم ، يصرفونها حيث شاءوا ، ولو رجعت إلى سيرة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في فدك لما تولى الخلافة ، ستجد أن موقفه في التصرف في فدك أصح من موقف المشائخ ، لأنه الإمام ، والملك ملكه ، فله الخيار في كيفية صرف غلات فدك ، يتقوى بها في حربه، أو يصرفها على نفسه وولده ، أو يفعل بها ما يشاء ، فله الحرية في ذلك ، ولكن أناسا قارنوا بين كيفية تعامل أبي بكر وعمر مع فدك عندما جعلوها للمسلمين ، وبين تصرف علي (ع) ، عندما جعل نصيبا منها للمسلمين مع ما يتقوى به في حروبه ، فقالوا : إن علي (ع) استكمل مسيرة أبي بكر وعمر في كيفية تعامله في فدك ، بل ورووا في ذلك أخبارا ، تفيد أنه يستحي أن ينقض فعلا ، فعله أبو بكر وعمر ، وهذا لا يصح ، فكون الإمام علي (ع) صرف جزءا من غلات فدك على المسلمين وعلى عتاد الحرب ، لا يعني أنه يرى أن المسلمين ملاك للأرض معه ، ومع أولاده ، فليس هذا منه (ع) إلا تفضلا ، لا واجبا ، فافهم ذلك(1) [2] ، إذ كيف يعتبر الإمام علي (ع) فاطمة الزهراء مظلومة مهضومة ، ويدفنها على هذا ليلا ، ثم لا يرى ملكيتها الخاصة دون المسلمين فيما طالبت به أبا بكر؟! ، فإن علمت هذا فاعلم أيضا أن لنا أن نتأول كلام المؤيد بالله (ع) عندما أشار إلى أن فدكا تكون في يد إمام المسلمين ، يصرفها كيف شاء ، إلى أنه يعني الإمام العلوي الفاطمي بعموم، فيكون الإمام ممثلا لبقية بني فاطمة ، ويصرفها عليهم بالعدل ، أو يصرفها فيما يرى أن مصالح الإسلام تقتضيه بعد الرضا واستطابة النفوس ، لأن الإمام الفاطمي ليس وحده المالك ، بل يشاركه في هذا بقية بني فاطمة صلوات الله عليها وعلى صالحي ذريتها، ولو تأملت السيرة ، لوجدت أن بعض خلفاء بني أمية وبني العباس ، قد أعادوا فدك إلى أشخاص من بني الحسن والحسين ، على أن يقسموها بين ولد فاطمة (ع) ، لا أنها لهؤلاء الأشخاص دون إخوتهم وبني عمومتهم ، فهذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يرد فدكا على بني فاطمة (ع) ، وأشار الشرفي في تفسيره أنه ردها على الباقر (ع) ، فأخذها يزيد بن عبدالملك من بني فاطمة ، وأعادها أبو العباس السفاح العباسي إلى شيخ آل الرسول في زمانه عبدالله المحض (ع) ، وعاد وانتزعها أبو جعفر المنصور ، ثم ردها المأمون -كما أشرنا سابقا- إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وجعل إليهما قسمتها بين أهلهم . فإن علمت هذا من بعد علمك واستيقانك ما سبق وذكرناه، فأيقن أن هؤلاء السادة الذين أخذوا فدكا ، ليسوا بأصحاب الذمم السيئة ، التي تجعلهم يأكلون مالا لا يعرفون أنه في الأصل لهم ، ومن حقهم ، أخذ منهم ، وهو اليوم بعطية الخلفاء الأمويين والعباسيين يعود عليهم ، فأين أنت رحمك الله من يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن صلوات الله عليهم ، عندما عرض عليه هارون العباسي الأمان مع بذل الأموال الطائلة له ، والضياع المترامية ، فأجابه (ع) : (( أما بعد فقد فهمت ما عرضت علي من الأمان على أن تبذل لي أموال المسلمين، وتقطعني ضياعهم التي جعلها الله لهم دوني ودونك، ولم يجعل لنا فيها نقيرا ولا فتيلا، فاستعظمت الاستماع له فضلا عن الركون إليه، واستوحشت منه تنزها عن قبوله. فاحبس أيها الإنسان عني مالك وإقطاعك وقضائك حوائجي، .. إلخ ))(1)[3] ، فكيف رحمك الله تظن أن يأخذ سادات بني الحسن والحسين باقرهم ، ومحضهم ، وأفاضل علماءهم ، أموال المسلمين التي ليست لهم لوحدهم حسب كلام المخالف ، بل لماذا يخص هؤلاء الأمويون والعباسيون بني فاطمة بهذه الأرض (فدك) دون غيرها ، ويصرفوها لهم دون الناس ؟! ، فإن أجبت على أسئلتي أعلاه ، فأتممها بالصلاة على محمد وعلى آل محمد ، واعلم أن ما تعلقت به من كلام المؤيد بالله (ع) يحتمل الكثير غير ما ذهبت إليه ، أقله أن نقول أن الإمام في كلامه هو الإمام الفاطمي ، والصلاة والسلام على فاطمة ، وأبي فاطمة ، وزوج فاطمة ، وصالحي ذرية فاطمة ، صلاة ترضيك يالله ، وصلاة ترضيهم ، وصلاة ترضى بها علينا .
---
Bogga 6