لنا : يظهر من روايات أهل البيت (ع) ، وبالإجماع ، أن سبب عدم رد فدك لفاطمة (ع) ، هو سبب غير دعوى عدم التوريث ، الواردة في الرواية الثانية السابقة ، فالرواية الأولى التي احتج فيها أبو بكر بعدم اكتمال النصاب في الشهادة ، مأثورة عن الإمام زيد بن علي (ع) من طريق العامة ، وعن الإمام القاسم الرسي (ع) ، بإجمال ، وعن الإمام الهادي إلى الحق (ع) ، وعن الإمام يحيى بن حمزة (ع) . والرواية الثالثة التي اعترض فيها عمر طريق فاطمة ومنعها من فدك لأجله ، مأثورة عن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، وعبدالله المحض بن الحسن بن الحسن (ع) ، على أننا نستطيع أن نجمع بين هاتين الروايتين (الأولى والثالثة) ، بما لا يستبعد ، بأن تكون فاطمة (ع) طالبت أبا بكر بفدك على أنها هبة ، فاستشهدها، فجاءت بعلي وأم أيمن ، فوثق بشهادتهما ، فأعطاها كتاب فدك ، فاعترضها عمر فمحا كتابها ، واحتج بخبر عدم التوريث! ، فعادت فاطمة (ع) إلى أبي بكر بعد مدة، وطالبته بفدك مرة أخرى ، فاستشهدها ، وطلب منها هذه المرة ، اكتمال النصاب ، هذا وقد ذكر تردد فاطمة (ع) على أبي بكر أكثر من مرة ، ومطالبتها فدكا منه ، الإمام يحيى بن حمزة (ع) فقال (ع) : ((لأنهم لما رأوا -علي وفاطمة والحسن والحسين- من كثرة المطالبة فيها أهملوها وتركوها ))(1)[1] ، ومنه فإن رأي أهل البيت (ع) في آلية وكيفية النزاع هو الاحتجاج بنقص نصاب الشهادة ، فالرواية الأولى والثالثة هي القوية ، وقد تستهجن الرواية الثالثة ، بسبب استبعاد وعدم تصور أن يفعل عمر مع كتاب فاطمة ما فعل ، وهذا ليس دليلا لرد الخبر ، وسابقا نعت عمر رسول الله (ص) بالهجر ، فكانت رزية الخميس ، وعمر فمعلوم من حاله الفظاظة وشدة الطباع ، حتى أن بعض المسلمين هرع إلى أبي بكر ينعى عليه استخلافه للفظ الغليظ (يعنون عمر بن الخطاب) ، وهذا فثابت وليس هذا مقام البسط فيه ، وعلى المهتم مراجعة سيرة عمر في كثير من المواقف في عهد الرسول (ص) ، وبعد عهده (ص) ، ولو لم ينزل فيه وفي أبي بكر قول الله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)) ، لاستبعد واستبشع بعضنا هذا من فعل عمر ، والله المستعان .
...نعم ! فهذه أخي الكريم ، ثلاث طرق ، لكيفية النزاع بين فاطمة وأبي بكر حول فدك ، ومنها فإنه لن يخفى عليك استنتاج ما كان يذهب إليه متقدمو أهل البيت (ع) ، في آلية وكيفية النزاع حول فدك ، ولن تخرج منها إلا مكملا الإجماع الفاطمي الذي سقناه سابقا حول إثبات نحلة الرسول (ص) فدكا لفاطمة ، وامتلاكها لها في عهد الرسول (ص) ، والإجماع الفاطمي قريبا قد انعقد حول آلية النزاع وكيفيته بين الزهراء وابن أبي قحافة ، فيبقى علينا الكلام على حكم أبي بكر في فدك عند أهل البيت (ع) ، وما هو إجماع متقدميهم ومتأخريهم حول صحة حكمه من عدمه .
---
Bogga 3