...في عام 74ه ، ولى الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان ، الحجاج بن يوسف الثقفي إمارة المدينة المنورة ، وهناك احتك بإمامنا الحسن الرضا (ع) ، وأراد أن يرغمه على إدخال عمه عمر بن علي رضوان الله عليه في صدقات أمير المؤمنين ، فرفض الحسن بن الحسن إدخاله بعذر عدم اشتمال شرط علي (ع) على هذا ، وأنه لن يغير شرط علي الذي اشترطه في هذه الصدقات ، فلما رأى الحسن بن الحسن (ع) أن الحجاج مصر على موقفه ، تغافله (ع) ، وخرج من المدينة ، قاصدا وشاكيا إلى الخليفة عبدالملك بن مروان ، وهناك وفي قصر الخلافة طلب إمامنا الإذن بالدخول على الخليفة ، فلقيه رجل يقال له يحيى بن الحكم ، فسال الحسن عن حاجته ، ووعده أن ينفعه بين يدي الخليفة ، فما لبثا إلا وقد أذن لهما بالدخول ، فاستقبلهما عبدالملك بن مروان ، وقال للحسن (ع) : لقد اسرع إليك الشيب يا حسن ، فقاطعهما يحيى بن الحكم ، قائلا : وما يمنعه يا أمير المؤمنين ، شيبه أماني أهل العراق ، كل عام يقدم عليه منهم ركب يمنونه الخلافة. فرد عليه إمامنا الحسن (ع) ، مبينا أن هذا التمني ليس هو سبب الشيب ، فقال (ع) : بئس والله الرفد رفدت، وليس كما قلت ، ولكنا أهل بيت يسرع إلينا الشيب . وعمر الحسن حينها ثلاثة وثلاثون عاما تقريبا ، نعم ! ثم أقبل عبدالملك على الحسن يسأله عن حاجته ، فأخبره الحسن (ع) بما كان من الحجاج ، ومحاولته إدخال عمه عمر في صدقات علي (ع) ، وهذا مخالف لشرط علي (ع) ، فأمر عبدالملك بكتاب للحجاج يمنعه من التعرض للحسن بن الحسن ، ثم انصرف الحسن بن الحسن والتقى عند باب القصر بيحيى بن الحكم ، فعاتبه الحسن بن الحسن على ما كان منه ، ومن هذه المنفعة التي هي إلى الإيقاع أقرب ، فرد عليه يحيى بن الحكم ، قائلا : إيها عنك، والله لا يزال يهابك، ولولا هيبته إياك ما قضى لك حاجة، وما ألوتك رفدا ، أي: ما قصرت في معاونتك . وهنا نجد يحيى بن الحكم يشير إلى عقيدة الزيدية في الخروج بالإمامة من شامة بني الحسن ، الحسن بن الحسن بن علي (ع) ، هو لم يقل ما قاله في حق الحسن ، إلا وهو يعرف عقيدته الزيدية في الخروج ، ثم لو لاحظنا الحسن بن الحسن وهو يرد على يحيى بن الحكم جعله أماني أهل العراق هي السبب في ظهور الشيب عليه ، لو لاحظنا رد الحسن لوجدناه ينفي أن يكون سبب ظهور الشيب هو أماني أهل العراق عند توافدهم عليه ، ولكن سبب ظهوره هو وراثة في أهل بيته ، والشاهد هنا مع ما سبق ، هو أن الحسن المثنى لم ينف علاقته بأهل العراق ، ونحن عندما نذكر هذا ، لا نذكره إلا منبهين لبعض الحذاق من الجعفرية الذين يريدون تثقيل طرفهم بإثبات تمذهب سادات بني الحسن والحسين من غير أئمتهم ، بإثبات تمذهبهم بمذهب الجعفرية ، واعترافهم بالنصوص في حق بني عمومتهم ، وهذا فذهاب إلى سراب بقيعة ، والأدلة على هذا كثيرة ، نذكر منها ما يخص إمامنا المترجم له ، نعني الحسن بن الحسن بن علي صلوات الله عليه وعلى آبائه ، فنقول : روت الجعفرية ، ونخص الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى 1/490 ، وابن شهر آشوب في المناقب 3/296 ، رووا تهكم وتطاول الحسن بن الحسن بابن عمه زين العابدين علي بن الحسين ، الذي هو إمامه وحجة الله عليه ، فقال ابن شهر آشوب : ((ونال (تأمل) منه [من زين العابدين] الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فلم يكلمه، ثم أتى منزله وصرخ به فخرج الحسن متوثبا للشر(تأمل)، فقال (ع): يا أخي إن كنت قلت ما في فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في يغفر الله لك، فقبل الحسن ما بين عينيه ، وقال: بلى قلت ما ليس فيك وأنا أحق به )) ، وهذا إن صح فدليل على عدم اعتبار الحسن بن الحسن زين العابدين إماما منصوصا عليه ، مفترضة من الله طاعته ، لأنه (ع) صاحب القدر والعلم وهذا فباعتراف شيخ الجعفرية الشيخ المفيد ، ومؤرخيهم لا يقولون بغير هذا فيه ، فكيف تصدر منه مثل هذه الهفوة والتوثب للشر ، والافتراء على إمام الزمان علي بن الحسين ، فلو كان هذا التصرف من الحسن مع غير زين العابدين لقلنا لا بأس ، ولكن أن يصف إمام زمانه المعصوم صغيرا وكبيرا عن الخطأ أو حتى مجرد السهو والنسيان ، أن يصفه بما ليس فيه زورا وبهتانا ، ثم هو مع هذا يخرج عليه متوثبا للشر ، فهذا ما لا تقول به العقلاء ، فإن أنت وقفت على هذا ، عرفت أن الحسن بن الحسن لم يكن يعتبر زين العابدين إماما معصوما منصوصا عليه من الله والرسول ، فافهم هذا ، واستحضر ما سيأتي قريبا من ثبوت ادعاء الحسن بن الحسن الإمامة وخروجه على الظلم.
Bogga 3