فاعلم أن الله سبحانه وتعالى لما فاضل بين عباده في العقول وفي الطاقة، فاضل بينهم في التكليف، ولم يكل المفضول منهم إلى نفسه ولا إلى عقله؛ فلذلك أوجب على المفضول طاعة الفاضل وسؤاله والرد إليه، ولولا أن مما تعبد المكلفي بمعرفته مما يجب التقليد فيه، وأن من عباده من يجب تقليده لما أمر بطاعة أولي الأمر، وسؤال أهل الذكر، ولولا أنه سبحانه قد عرفهم بما يقلدون فيه وهو قوله سبحانه: {وما اختلفتم فيه من شيء} [الشورى:10]، وعرفهم بمن يقلدونه في مثل قوله سبحانه: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر:32]، وتبيين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لذلك بقوله: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به من بعدي لن تضلوا أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) ونحو ذلك مما سيأتي ذكر بعضه إن شاء الله لكان أمره بالطاعة والسؤال تكليفا لعلم ما لا يطاق وعلم ما لا يعلم؛ فتعالى عن ذلك علوا كبيرا؛ فهذه جملة مما تنبه على وجوب طلب العلم الصحيح من أهله[ومحله].
وأما الفصل الرابع وهو في الكلام في العالم
فهو ينقسم إلى ذكر الخلاف في ماهيته وفي أصله، وفي أنواعه، وفي
حدوثه، وفي المؤثر فيه.
[ذكر الخلاف في ماهية العالم]
أما الخلاف فيه ما هو: فهو بين الموحدين والملحدين.
أما قول الموحدين: فإذا أريد بالعالم جملة ما يعقل وما لا يعقل فهو السماوات والأرض وما بينهما، وإن أريد به ما يعقل خاصة فالعالمون هم الملائكة والجن والإنس، واحدهم عالم، ويقال لأهل كل عصر عالم، ومن رواة الأخبار من قال: إن العرش والكرسي غير السماوات والأرض.
وقال بعض الأئمة: يمكن أن يكون العرش هو جملة العالم، ويمكن أن يكون موضعا من أشرف العالم وأعلاه.
عظم الله أمره وسماه عرشا له، كما عظم أمر مواضع في الأرض وسماها بيوتا له.
قال: ويمكن أن يكون الكرسي ضرب مثلا لإحاطة علم الله سبحانه بكل شيء، ولا فرق بين قوله سبحانه: إنه استوى على العرش، وقوله: إنه في السماء إله وفي الأرض إله، وقوله: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم [ولا خمسة إلا هو سادسهم] في أن ذلك كله وما أشبهه متأول على غير ما يفيده ظاهره؛ لأنه سبحانه لا يجوز أن يوصف بالحاجة إلى المكان.
Bogga 49