Majmuc
المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
Noocyada
قلنا: لو أن الجسم ولد العرض، فلا يخلو إما أن يولد الكل أو البعض، باطل أن يولد البعض، لفقد الاختصاص، وهو يحمل ومعها على سواء ولا يستحيل حلولها فيه وقيامها به، فإما يوجب الكل وهو مستحيل، وإما لا يوجب وهو مستحيل أيضا على أصل قوله، وإما يوجب البعض فلا تخصص في الموجبات خاصة، ولأنه لا يكون جسما إلا بالأعراض فكيف يكون علة فيها فيؤدي إلى التوقف والدور، ولأن في نفوسها قائمة في الدلالة على الباري سبحانه قيام الجسم لحصولها مع جواز ألا يحصل خلاف الموجب ويحصل ضدها بدلا عنها باختيار الفاعل، والموجب واحد عند الخصم، فكيف يعقل ما ذكر، فأما استقراره في النار وما شاكلها فلاشك أن فيها الاعتماد من فعل الباري واليبوسة مضاد الرطوبة، والحرارة تضاد البرودة، فما طرأ على ضده أبطله، ولو أضاف ذلك إلى النار فما هي النار في نفسها، فإنما هي جسم يختص بحرارة ويبوسة واعتماد علوي من فعل الله تعالى؛ فالحاصل لا يكون موجبا ولا معللا لأنا نعتمد في الريح اعتمادا سفليا بآلة، ولا يكون الريح معلولا، ولو أردنا علويا أيضا لأمكن؛ وإنما النار تجاوز وكذلك [الماء] والفاعل الله تعالى، ولهذا فإن النار لا تحرق كل شيء، والماء لا يبل كل شيء، وهي بحال محتملة لو كان موجبا لاطرد كما في نظائره، والحال سالمة والمانع مرتفع لولا اختيار الحكم سبحانه لبردت النار وسخنت، وأحرق الماء وسخن، وفرق وجمع، وفصل [ووصل]، إذ الجسم هو العلة فيلزم وقوع المعلول، وإلا أدى إلى أن يكون فرقا بين وجود العلة وعدمها وذلك باطل، فما أدى إليه يكون باطلا، وإنما هي أقوات مقدرة لنفع العباد وضرهم فرغبهم بالنفع، ورهبهم بالضر، حكمة منه تعالى ولطفا، والعلل التي يتوهمها المطرفي وأخوه الطبعي واحدة في المسار، والمعلول يختلف فيطلع الفرع ويهبط العرق وتفترق الأغصان وتدلى الثمار، والمعلول لا يختلف لأنه موجب ولامانع يعقل لأنها الجهات والأوقات معها على سواء، ولأنها تقع على قدر المصالح لا على قدر الأجسام، وليس كذلك الموجب لأن الموجبات تكثر بكثرة العلل عند من بينها أو يقوم له الدليل عليها، ولو كانت الحوادث معلولة عن الأجسام لكانت لا تنتهي إلى غاية لوجود العلة، فإن أوجبت وإلا خرجت عن بابها، فكان النامي ينمي أبدا والتبع يقع في الحال الأولى، ولذلك اللوز لا يكون الأخضر أولى بالابتداء دون الأصفر والأحمر والأبيض؛ لأنا نقول اختلافه لاختيار الباري الفاعل الحكيم سبحانه وليس كذلك الموجب لأنه اختيار له، وكذلك الكلام في الطعوم كان الحلو بأن يكون أولى من الحامض أو يستويا في الولا فما المخصص؟ فإن قيل: اختيار الباري فهو المراد، ومع الموجب لا يصح ذلك، وكذلك في الألوان والروائح وجميع الأعراض كلها، وأما المخترع فهو اسم لما فعله الباري ابتداء وأفعاله تعالى مخترعة.
وإنما قلنا بالتوليد لاستحالة الفعل منا لذلك وليس كذلك الباري سبحانه؛ لأنه لا يستحيل عليه شيء، فإن قدم ما يجري مجرى المسبب فلمصلحة تعلق لإيجاده لا لإرادة إيجاد الفعل، فوجوده منه تعالى يصح بدونه وكان إيجاده لأجل ذلك والحال هذه يكون عبثا، كما لو تأتى لنا الفعل بدون الاعتماد لما اعتمدنا في الأجسام.
وقوله: هل يفعله وقت حدوثه أو قبل أو بعد، لا يلزم لا يفعله الموجب في حكم من قد فعل الموجب، لكون الميت في حكم الموجود إنما يصح تقديره في أفعالنا لاستحالة وجودها إلا كذلك بخلاف فعل الباري تعالى .
وإن رأينا ما يشبه فعلنا من فعله تعالى فالحال فيه مختلف؛ لأنه يوجد الحركات شيئا بعد شيء ويعلمها مفصلة، وإلا كان جاهلا عابثا تعالى عن ذلك.
وقد قدمنا الدلالة على بطلان إيجاب الجسم لشيء من الأعراض.
Bogga 355