376

هذا وأما قولكم: وفي بلاد الكفر. فقد أشرت إشارة عابرة إلى وجوب الهجرة بنحو قوله تعالى: ((وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين)) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل واعلم أن دار الكفر هي مالا تظهر فيها الشهادتان إلا بجوار أو بأن تظهر فيها خصلة كفرية من غير جوار وإن ظهرت فيها الشهادتان من غير جوار هذا كلام أهل المذهب، وعند الإمام المؤيد بالله وأبي حنيفة أن الحكم لظهور الشهادتين في البلد من غير جوار فتكون دار الإسلام وإن ظهرت فيها الخصلة الكفرية من غير جوار، والمختار كلام الإمام المنصور بالله عليه السلام: أن الإعتبار بالشوكة، والدليل على ذلك أن مكة المكرمة صارت دار إسلام بعد الفتح وكان فيها كثير ممن يظهر الكفر بغير جوار. إذا عرفت هذا فقد نص أعلام أئمتنا كالقاسم والهادي والناصر عليهم السلام أنها تجب الهجرة عن دار الكفر وعن دار الفسق وهي ماظهر فيها ما يوجب الفسق من دون أن يتمكن المسلمون من إنكار المنكر بالفعل. قال المنصور بالله: وهو الظاهر من مذهب أهل البيت عليهم السلام. قال في اللمع: وإلا فسق بالإقامة لقوله تعالى: ((فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم)) ولهذه العلة يكفر من ساكن الكفار عند القاسم والهادي. قال المنصور بالله: وإن لم يستحل الوقوف معهم لأنه أظهر على نفسه الكفر. قال في مهذبه: وكان وقوفه معهم أكثر من سنة وتجب الهجرة إلى خلي عما هاجر لأجله، فإن لم يجد خاليا وجب عليه أن يهاجر إلى ما فيه دون ما هاجر لأجله، ويجب عليه أن يهاجر بنفسه وأهله إلا لمصلحة دينية كإرشاد بعض أهلها أو مرض أو حبس أو خوف سبيل. والأدلة على وجوب الهجرة معلومة وهو قوله تعالى: ((إن الذين توفاهم الملآئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا (97) إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (98) فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم)) [النساء:97-99] وقال تعالى: ((والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا)) [الأنفال:72] وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)) وفي شرح الأساس المسمى بعدة الأكياس: وروى السيوطي في الجامع الكبير عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار)) أخرجه أحمد والطبراني وابن منده والبيهقي عن عبدالله بن السعدي، وروى أيضا: ((لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، ختم على كل قلب وكفي الناس العمل))، قال: أخرجه ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن عمر، وما روى عن عبدالله بن السعدي، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو)) قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد عليهما السلام: وهذا لا شك في صحتهلموافقته الكتاب العزيز من نحو قوله تعالى: ((ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا)) والعدو يعم الكفار وأهل الطغيان والبغاة والمنافقين. انتهى من أنوار التمام هذا الذي أمكن إيراده.

Bogga 363