327

قلت: وليس بعد هذا القول الذي قاله الفخر الرازي تعليق لأحد، إلا السؤال عن عقيدته في وحدانية الله ونفي الولد والشريك عنه، مادام يجعل من نفي الشيء دليلا على إثباته، وبموجب هذا القول فإن للنصارى والمشركين أن ينتزعوا من قوله تعالى: ((وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك)) دليلا قاطعا بأن له سبحانه ولدا وشريكا وأن يضيفوا إلى ذلك إثبات الصاحبة له تعالى، بل وإثبات كل مانفاه عنه من السنة والنوم والغفلة واللغوب والظلم والجور مادام النفي دليلا قاطعا على الإمكان وبالتالي على الإثبات، وإن تعجب فعجب أن يكون الفخر الذي اتخذ من قوله تعالى: ((لا تدركه الأبصار)) سلما إلى القطع بثبوت الرؤية قلبا للحقيقة وعكسا للحجة هو الذي يقول في تأصيلاته بأن دلائل الألفاظ على المعاني لاتتجاوز الظن كما هو صريح في قوله: ((دلالة الألفاظ على معانيها ظنية لأنها موقوفة على نقل اللغات ونقل الإعرابات والتصريفات مع أن أول أحوال تلك الناقلين أنهم كانوا آحادا، ورواية الآحاد لاتفيد إلا الظن، وأيضا فتلك الدلائل موقوفة على عدم الاشتراك وعدم المجاز وعدم النقل وعدم الإجمال وعدم التخصيص وعدم المعارض العقلي، فإن بتقدير حصوله يجب صرف اللفظ إلى المجاز، ولاشك أن اعتقاد هذه المقدمات ظن محض والموقوف على الظن أولى أن يكون ظنا )).

فانظر كيف يجعل الفخر دلالة الألفاظ على المعاني الموضوعة لها ظنية، مع جعله دلالتها على ضد تلك المعاني قطعية.

Bogga 311