Majma’ al-Anhar fi Sharh Multaqa al-Abhur

Sheikh-i Zāde d. 1078 AH
4

Majma’ al-Anhar fi Sharh Multaqa al-Abhur

مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر

Daabacaha

المطبعة العامرة ودار إحياء التراث العربي

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1328 AH

Goobta Daabacaadda

تركيا وبيروت

لَيْسَتْ فِي الرَّحِيمِ فَقَصَدَ بِهِ رَحْمَةً زَائِدَةً بِوَجْهٍ مَا فَلَا يُنَافِيهِ مَا يُرْوَى مِنْ قَوْلِهِمْ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا لِجَوَازِ حَمْلِهِمَا عَلَى الْجَلَائِلِ وَالدَّقَائِقِ وَاشْتِقَاقِهِمَا مِنْ الرَّحْمَةِ بِمَعْنَى الرِّقَّةِ وَالْعَطْفِ وَهُوَ مِنْ أَوْصَافِ الْأَجْسَامِ فَإِطْلَاقُهَا عَلَيْهِ - تَعَالَى - إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ دُونَ الْمَبَادِي الَّتِي هِيَ انْفِعَالَاتٌ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِنْعَامِ أَوْ إرَادَتِهِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبَّبٌ عَنْ رِقَّةِ الْقَلْبِ وَالِانْعِطَافِ فَيَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى (الْحَمْدُ) هُوَ الثَّنَاءُ لِتَعْظِيمِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ بِمَعْنَى الْمَدْحِ لَكِنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ يَكُونُ بِمَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْ الْخِصَالِ الْجَمِيلَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَالْمَدْحُ بِمَا فِيهِ وَمِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ وَبِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ تَقُولُ حَمِدْته لِعِلْمِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَمَدَحْته لِطُولِ قَامَتِهِ وَصَبَاحَةِ وَجْهِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] وَأَعَمُّ مِنْ الشُّكْرِ؛ لِأَنَّ الشُّكْرَ لَا يُقَالُ إلَّا فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ وَالْحَمْدُ يُقَالُ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ وَغَيْرِهَا نَقُولُ: حَمِدْته لِإِحْسَانِهِ إلَيَّ وَحَمِدْتُهُ لِعِلْمِهِ وَشَكَرْته لِإِحْسَانِهِ إلَيَّ فَكُلُّ شُكْرٍ حَمْدٌ، وَلَيْسَ كُلُّ حَمْدٍ شُكْرًا وَكُلُّ حَمْدٍ مَدْحٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَدْحٍ حَمْدًا كَمَا فِي الْكَوَاشِيِّ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ حَمِدَهُ - تَعَالَى - أَوْ حَمِدَ مُحِبِّيهِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ الْجِنْسِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْوُصُولِ أَنَّ الْعَهْدَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (لِلَّهِ) وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ الْحَمْدُ مُخْتَصٌّ بِهِ - تَعَالَى - الْحَمْدُ هَا هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَيْ كُلُّ حَامِدِيَّةٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ - تَعَالَى وَأَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ كُلُّ مَحْمُودِيَّةٍ قَائِمَةٌ بِهِ تَعَالَى، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَيْ كُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَمْدِ فَحِينَئِذٍ يَشْمَلُ كُلًّا مِنْ مَعْنَيَيْهِ فَيُوَفَّى حَقُّ الْمَقَامِ (الَّذِي وَفَّقَنَا) التَّوْفِيقُ: جَعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلَ عِبَادِهِ مُوَافِقًا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَقِيلَ هُوَ اسْتِعْدَادُ الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّيْءِ وَقِيلَ هُوَ مُوَافَقَةُ تَدْبِيرِ الْعَبْدِ لِتَقْدِيرِ الْحَقِّ وَقِيلَ هُوَ الْأَمْرُ الْمُقَرِّبُ إلَى السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ وَالْكَرَامَةِ السَّرْمَدِيَّةِ وَقِيلَ هُوَ جَعْلُ الْأَسْبَابِ مُوَافِقَةً لِلْمُسَبِّبَاتِ (لِلتَّفَقُّهِ) الْفِقْهُ: هُوَ الْإِصَابَةُ وَالْوُقُوفُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ وَهُوَ عِلْمٌ مُسْتَنْبَطٌ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَمُحْتَاجٌ إلَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ فَقِيهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاخْتَارَ التَّفَقُّهَ لِلْإِشَارَةِ إلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْ فِي الدِّينِ» وَإِلَى مَا فِي صِيغَةِ التَّكْلِيفِ مِنْ أَنَّ حُصُولَ عِلْمِ الْفِقْهِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بَلْ شَيْئًا فَشَيْئًا (فِي الدِّينِ) الدِّينُ وَالْمِلَّةُ مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُطَاعُ تُسَمَّى دِينًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَجْمَعُ تُسَمَّى مِلَّةً وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُرْجَعُ إلَيْهَا تُسَمَّى مَذْهَبًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدِّينَ مَنْسُوبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ وَضْعٌ إلَهِيٌّ يَدْعُو أَصْحَابَ الْعُقُولِ إلَى قَبُولِ مَا هُوَ مِنْ عِنْدِ الرَّسُولِ، وَالْمِلَّةُ

1 / 5