أننا لا نقف عند المنطق بل نغالي في هذا التنبيه إلى أن نصل إلى حد الضرر فيكون أول ثائر على خطتنا هذه السقيمة المضرة الطفل نفسه لأنه وقد اعتاد هذه الضجة الدائمة لا يعود يرى في السكون لذة فلا يكاد يستقر في سريره حتى يعلو صراخه متطلبًا إعادة ذلك المشهد.
وهكذا نطبع في أعصاب ذلك الطفل منذ صغره ضعفًا وتنبهًا لا يفارقانه وفي نفسه الميل إلى الغنج والدلال فيشب ويكون عالة على البشرية وعارًا لأهله.
والأمر الخامس: الذي يجب إنماؤه في الولد متى كبر قليلًا هو الضمير الحي وما من تربية حقيقية إلا والضمير الحي أساسها وما من ضمير بدون كمال كما قال فلاماريون العالم الشهير.
ويستدعي إنماء الضمير في الولد تعويده أن يكون حاكمًا على أعماله نفسها حسنة كانت أم سيئة ولا بأس في مقابلة أعماله بأعمال سواه والحكم بينهما على أن تولد فيه خاصة الانتقاد. ومتى بدأ الولد بتعويد عقله الحكم تحت إشراف مربيه توصل متى شب إلى إحسان هذا الحكم بدون معونة أحد. فأصبح ضميره الذي نما مرشده والحقيقة مناره والثبات شريعته وحب الواجب غايته.
أما الأشياء التي يجب محاربتها في الطفل وهي الشق الثاني من هذا البحث فإنني أمر بها لأننا متى أنمينا فيه تلك النزعات الطبيعية الشريفة عاد الطفل من طبيعته ميالًا عنها واعني بهذه الميول التي تجب محاربتها في الطفل تلك النزعات التي لا يكتسبها إلا من مربيه ومعاشريه كالأنانية والكذب والكبرياء وغيرها. إن الطفل مقلد ينتبه لكل حركة وسكتة في مربيه ومعلميه فتنمو فيه هذه العادات وتتسرب في نفسه تسربًا خفيًا بدون أن يشعر بها فعلى الوالدين والمربي أن ينتبهوا لكل عمل يعملونه أو كلمة يلفظونها متى كان الأولاد في حضرتهم لئلا يقتبس هؤلاء الصغار منهم تلك العادات السيئة.
الخلاصة: نستنتج من كل ما تقدم الاستنتاجات التالية:
١ - على الوالدين والمربين أن يحترموا الطفولة في الطفل وألا يقاوموا نزعاتها وميولها.
٢ - عليهم أن ينموا في الطفل بعض الخواص التي تبدو بوادرها فيه منذ طفولته الأولى: كصفة الاستملاك والاكتشاف ورقة الشعور. وأفضل طريقة في أنماء الشعور جعل الولد في
1 / 44