قال: وسويق الحمص غير طيب وإنما يأكله المتحملون والضعفاء شهرين أو ثلاثة عند عدم الفواكه ومن لا يأكله من الناس أكثر. قال الشيخ أبو بكراي المؤرخ: لو طلب من هذا السويق اليوم في جانبي بغداد مكوك واحد ما وجد، انتهى.
فلنمتحن هذا الخبر فنقول: أن الكر على إحدى الروايات ستة عشرة قنطارًا بالشامي فإذا كان مئتان وثمانون كرا كان مبلغها أربعة آلاف وأربعمائة وثمانين قنطارًا، فهذا ليس بشيء لمثل بغداد يقال أن فيها بضعة عشر ألف حمام بالأقل. ثم رأيت أن الكر ست أوقار حمار، وعليه يكون أقل من ستة عشر قنطارًا بالشامي إذا القنطار ما نعرفه اليوم. والأرجح عندي أن الكر هو ما ورد في تاج العروس أنه عند أهل العراق ستون قفيزًا والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف فيكون الكر سبعمائة وعشرين صاعًا. على أنه جاء في التاج نقلًا عن الأزهري قال أن الكر اثنا عشر وشقًا كل وسق ستون صاعًا أو أربعون أردبًا بحساب أهل مصر. فإذا كان الكر ٤٨٠ أردبًا فيكون مايتان وثمانون كرًّا عبارة عن ماية وعشرين ألف أردب وأربعمائة أردب وليس هذا بشيء يستبعده العقل على حاضرة الإسلام الكبرى. على أن في تاريخ بغداد للشيخ أبي بكر الخطيب فوائد كثيرة وأدلة واضحة على ما كانت عليه من التناهي في العمران، أهم ذلك ما رأيته من وصف الاستقبال الذي جرى لرسول ملك الروم في أيام المقتدر بالله مما يلزم أن يفرد بمقالة خاصة. وربما تترجم هذا الفصل لمجلتنا (لاناسيون آراب) كما فعلنا في وصف قرطبة ونقلت ذلك عنا جرائد أوربية خطيرة.
ومن الفوائد التي عثرت عليها في تاريخ بغداد للحافظ ابن الخطيب أنه في ترجمة أبي أيوب الأنصاري الخزرجي ﵁ نقل رواية وهي أن شيخًا من أهل فلسطين كان في القسطنطينية فرأى بنية بيضاء دون حائط القسطنطينية فقالوا: هذا قبر أبي أيوب الأنصاري صاحب النبي ﷺ. قال هذا الشيخ: فأتيت تلك البنية فرأيت قبره في تلك البنية وعليه قنديل معلق بسلسة. فظهر من هنا أن قبر أبي أيوب ﵀ لم يكن درس القرون الأولى من الهجرة، وأنه أن كان قد درس فيكون فيما بعد. فأن الأتراك يقولون أنهم لما فتحوا القسطنطينية كان قبر أبي أيوب دارسًا وأنه إنما كشفه الشيخ آق شمس الدين على أثر رؤيا رآها. فمن كتاب الحافظ ابن الخطيب الذي عاش في القرن
1 / 11