Journal of Legal Rulings
مجلة الأحكام الشرعية
Tifaftire
عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان
Daabacaha
الناشر تهامة
Daabacaad
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1401 AH
Goobta Daabacaadda
جدة
كما بدأ التدريس بالمسجد الحرام، ودرس العلوم والكتب التي تلقاها لا سيما الفقه الحنفي، الذي تضع فيه حتى صار حجة ثبتاً عارفاً عالماً يرجع إليه العوام والخواص من الناس مستفتين وسائلين فيجيبهم في تواضع ورفق وبشاشة وكمال خلق فيقتنعون بحكمه. وكان يعقد حلقات دروسه في حصوة باب إبراهيم من المسجد الحرام يرتادها كثير من طلاب العلم حتى كثر عنه الأخذ والتلاميذ في سائر العلوم الدينية)).
ويتحدث شاهد عيان لدروسه بقوله :
((صليت المغرب في حصوة باب ابراهيم فعقدت أمامي حلقة كبيرة التف حولها جمع غفير من طلاب العلم، فاقتربت منها فإذا بالشيخ أحمد القاري رحمه الله يتوسطها، وكان أصغر طلابه سناً. ولكن طلاقة لسانه، وسحر بيانه، وحسن إلقائه جمعت عليه القلوب، وخلدت له سمعة طيبة في التدريس والقضاء، ومعاشرة جميع من عرفه واختلط به. دنوت من حلقته وكان موضوع درسه في الحيض فسمعته يقول: المتحيرة هي التي حارت في أسباب نزيف دمها، والمحيرة هي التي حيرت غيرها في أسباب هذا النزيف، وعلى كلتا الحالتين فللعلماء أقوال في أحوالها.
ثم أخذ رحمه الله يشرح لطلابه حالات المحيرة فضقت ذرعاً من درسه لأني في ذلك الوقت كنت حدثاً لم أبلغ سن الرشد، ولم تتسع مداركي لأمثال هذا البحث، وإن كنا نحفظه في المدرسة كالببغاوات، ونسرده في الاختبار دون فهم. ولكن الشيخ أحمد رحمه الله كان لبقاً في تدريسه إذ كان يختصر أمثال هذه المواضيع خشية من ملل طلابه، فاختتم الدرس، وأخرج كراسة أخرى من محفظته الجلدية، وبعد أن بسمل رحمه الله وصلى على رسوله قال:
(باب خيار المجلس في البيع والشراء) عن حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البائعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأحمد. ثم وضع كراسته رحمه الله ... ثم استمر مسترسلاً في شرح أحكام البيوع إلى أن أذن للعشاء، فاختتم الدرس ورفع يده ودعا لنفسه وطلابه والمسلمين بما شاء تقبل الله منا ومنه إنه سميع الدعاء.
رحم الله الشيخ أحمد القاري فقد كان درسه في البيوع قبل أن يتولى القضاء، وتعرض عليه ألوان من قضايا البيوع، وتحايل الناس، وغشهم، وحرصهم للحصول على المال من شتى الطرق، مشروعة أو غير مشروعة ما دام في ذلك إشباع لنهمهم ولو سنحت له الظروف بالتدريس بعد تولية القضاء للمسنا في شرحه ما فيه عظة وعبرة للتاجر والصانع ... ))(١)
(١) عمر عبد الجبار، سير وتراجم، ص ٤٥.
66