«وفرغ من قراءة الكتاب» أي: كتاب رسول الله ﷺ، «كثر عنده» أي: عند هرقل، «الصخب» أي: اللغط وهو أصوات مختلفة مبهمة لا تفهم، فلا أدري ما قالوا، «وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي: أخرجنا» أي: من مجلسه «لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة» هذا جواب لقسم محذوف تقديره: والله قد أمر أي: أعظم أمر أبن أبي كبشه أي: أمر محمد.
وأختلف العلماء في أبي كبشه الذي نسبه إليه أبو سفيان هنا فقيل كان رجلًا من خزاعة خالف قريشًا في عبادة الأوثان، وكان يعبد الشعرى، ولم يوافقه أحد من العرب على ذلك، فشبهوا النبي ﷺ وجعلوه ابنًا له لمخالفته إياهم في دينهم كما خالفهم أبو كبشه.
وقيل: أبو كبشة جد النبي ﷺ من قبل أمه من الرضاع، وقيل: من قبل أمة وإنما نسبوه إلى هذا الجد تحقيرًاٍ له بنسبته إلى غير نسبه المشهور، فإنه كان من عادة العرب إذا انتقضت أحدًا نسبه إلى جد غامض.
فائدة: لم يقتل النبي ﷺ بيده قط أحدًا سوى أبي بن خلف قاله في البرهان في شرح السيرة، ولما طعنه رسول الله ﷺ قال: طعنني ابن أبي كبشة قاله ابن الملقن.
ثم قال أبو سفيان «إنه يخافه ملك بني الأصفر» أي: ملك الروم وسمى الروم الأصفر فقيل: لأن جدهم روم بن غيص بن إسحاق بن إبراهيم تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد، فقيل له: الأصفر، وقيل لأولاده بنو الأصفر، وقيل: لهم بني الأصفر لأن جيشًا من الحبشة غلب على ناحيتهم في وقت، فوطئ نساءهم فولدن أولادًا صفرًا من سواد الحبشة وبياض الروم.
قال أبو سفيان «فمازالت موقنًا أنه سيظهر حتى أدخل الله على الإسلام» وتقدم أنه أسلم ليلة الفتح، قال بعضهم: لم يسلم ليلة الفتح إلا في الظاهر فلهذا أظهر النفاق بعدها في غزوة حنين، ثم حسن إسلامه في الطائف، وإيمانه ﵁ صحيح خلافًا لما يقع في بعض التواريخ، وتقدم أن أبا سفيان كان يسمى بصخر، وكان يسمى أبوه حرب، وكان جده يسمى بأميه بن أبي الصلت، وكان أميه شاعرًا وكان شعره مشتملًا على الوحدانية والبعث، وسمع النبي ﷺ شعره فقال: «لقد كاد أن يسلم» قال ذلك لما سمع قوله:
لك الحمد والنعماء والفضل ربنا ... فلا شيء أعلا منك حمدًا وأمجدا
وكان أبوه قد قرأ التوراة والإنجيل في الجاهلية، وكان يعلم بأمر ﷺ قبل مبعثه