وروي عن علي أنه نظر إلى رجل يكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» فقال: جودها فإن رجلًا جودها فغفر له (١) .
واختلف الأئمة فيما إذا أرسل الإنسان كلبًا له للصيد، ولم يقل «بسم الله الرحمن الرحيم» عند إرساله، وصاد الكلب هل يحل أكله أم لا (٢)؟
ذهب إمامنا الشافعي إلى أنه يحل أكله سواء ترك التسمية سواء ترك التسمية عمدًا وسهوًا، فإن التسمية عند إرسال الكلب ونحوه للصيد سنة عند الشافعي لا واجبة (٣) .
وذهب أبو حنيفة إلى أن ترك التسمية ناسيًا حل أكله، وإن تركها عامدًا لا يحل.
مثل هذا ما إذا رمى الصيد بسهم فقتله فعلى مذهب الشافعي يحل، وعند أبي حنيفة كان ناسيًا حل، وإن كان عامدًا لا يحل.
ومثل هذا الذبيحة ما إذا ذبح الإنسان شاة مثلًا وترك التسمية عند ذبحها هل تؤكل أم لا؟
مذهب إمامنا الشافعي يجوز أكلها سواء ترك لتسمية عامدًا أو سهوًا (٤)، وعند أبي حنيفة إن تركها عمدًا لا تؤكل لقوله تعالى ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١] وإن تركها ناسيًا تؤكل (٥) .
وأجاب الشافعي عن الآية بأنها محمولة على الذي ذبح لغير الله، فإنه لا يحل أكله.
وأقل التسمية «بسم الله» وأكملها «بسم الله الرحمن الرحيم»، ويسن أن يقول عند الذبح والقتال «بسم الله والله أكبر» لأن الوقت لا يليق به «الرحمن الرحيم» .
قال ابن العماد: وكيفية التسمية عليه أن يقول: «بسم الله» ولا يقل: «الرحمن الرحيم» لأن المقام لا يناسب الرحمة، ولا يقل: بسم الله واسم محمد.
الفائدة الثالثة: قال الحناطي من الشافعية في فتاويه: لا يجوز جعل الفضة والذهب في ورقة كتب فيها «بسم الله الرحمن الرحيم»، فإن فعل ذلك مع العلم بالمنع أثم.
الفائدة الرابعة: إذا رأى الإنسان ورقة ملقاة على الأرض وفيها البسملة، أو شيء من القرآن يستحب رفعها بل يجب، إذا خيف أن تداس بالأرجل.
قال ابن الجوزي: «قال رسول الله ﷺ: من رفع قرطاسًا من الأرض فيه «بسم الله الرحمن الرحيم» احترامًا لله تعالى حرم الله وجهه على النار» (٦) .
_________
(١) ذكره القرطبي في تفسيره (١/٩١) .
(٢) قد ذكر الجصاص في أحكام القرآن (٣/٣١٦) الأصل في التسمية عند إرسال الكلب المعلم فقال: وقد روي في التسمية على إرسال الكلب ما حدثنا محمد بن بكر ... فساق إسناده إلى الشعبي قال: قال عدي بن حاتم: سألت رسول الله ﷺ فقلت: أرسل كلبي؟ قال: «إذا سميت فكل وإلا فلا تأكل، وإن أكل منه فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه» وقال: أرسل كلبي فأجد عليه كلبًا آخر؟ قال: «لا تأكل لأنك إنما سميت على كلبك» .
قال الجصاص: فنهاه عن أكل مالم يسم عليه وما شاركه كلب آخر لم يسم عليه، فدل على أن من شرائط ذكاة الصيد التسمية على الإرسال، وهذا يدل أيضا على أن حال الإرسال بمنزلة حال الذبح في وجوب التسمية عليه.
(٣) انظر الأم (٢/٢٢٧) .
(٤) انظر الأم (٢/٢٢٧) .
(٥) انظر الهداية شرح البداية (٤/٦٣) .
(٦) أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (١/٨٧) ضمن أحاديث باب ثواب من رفع قرطاسًا من الأرض فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم» وروي أحاديثًا عن علي وأنس وأبي هريرة، فذكر الروايات عنهم، ولم يورد هذا الحديث الذي ذكره المصنف بهذا اللفظ، وبالنظر في الرويات التي رواها ابن الجوزي عن علي وأنس وأبي هريرة وجدنا أن أقرب الألفاظ للحديث الذي أورده المصنف حديث أنس فقد رواه بلفظ: «من رفع قرطاسًا من الأرض فيه بسم الله الرحمن الرحيم إجلالًا لله أن يداس كتب عند الله من الصديقين، وخفف عن والديه وإن كانا مشركين» .
قال ابن الجوزي: وأما طريق أنس ففيه: العلاء بن مسلمة، قال ابن حبان: يروي الموضوعات والمقلوبات عن الثقات، لا يحل الاحتجاج به، وقال أبو الفتح الأزدي: كان العلاء رجل سوء لا يبالي ما روى لا يحل لمن عرفه أن يروي عنه، وفيه: أبو حفص العبدي، قال أحمد: حرقنا حديثه، وقال يحيى: ليس بشيء.
وحديث أنس أخرجه أيضًا: الخطيب في تالي تلخيص المتشابه (٢/٤٥٨، رقم ٢٧٤)، وأورده العجلوني في كشف الخفاء (٢/٣٢٨) وعزاه لأبي الشيخ عن أنس.
والحديث أخرجه ابن عدي في الكامل (٥/٤٩، ترجمة رقم ١٢٢٠) وهي ترجمة: عمر بن حفص أبو حفص العبدي، وقال: ليس بالقوي، وقال في آخر ترجمته: الضعف بين على رواياته.
وترجم له الذهبي في الميزان في (٥/٢٢٦، ترجمة ٦٠٨١)، قال الذهبي: قال علي: ليس بثقة، وقال النسائي: متروك، وقال الدارقطني: ضعيف.
وزاد الحافظ ابن حجر على الذهبي في اللسان (٤/٢٩٩، ترجمة ٨٣٢) فقال: وقال أبو نعيم الأصبهاني: روى عن ثابت المناكير، وقال الساجي: متروك الحديث، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: أبو حفص العبدي يرفض حديثه.
1 / 65