فلهذا ابتدء بها المصنفون في أول كتبهم.
فإن قيل: ما الحكمة في أن الله تعالى ابتدء القرآن العظيم بالبسملة؟
فالجواب: كما قاله البشفي: إنه فعل ذلك سبحانه ليعملنا بابتدائه بالرحمة رضاه عنا، فإن السيد إذا كتب لعبده الغائب كتابًا، عرف رضا سيده وسخطه من عنوان كتابه، والله تعالى جعل عنوان كتابه «بسم الله الرحمن الرحيم» ولم يقل: بسم الجبار والقهار، بل بدأ بالرحمة، وجعلها سابقة على الكل، إشارة لها إلى أن رحمته قبل غضبه، وأن رضاه قبل سخطه، فله الحمد والمنة على ذلك.
جاء في حديث: «أن الله تعالى كتب على نفسه قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي تغلب غضبي» (١) .
وجاء أيضا: «إذا كان يوم القيامة أخرج الله تعالى كتابًا من تحت العرش فيه مكتوب: إن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين» (٢) .
فيا أيها الرب الكريم وخير من ... ينادى به رباه رباه رباه
تفضل علينا يا كريم برحمة ... تعم جميع الخلق وتغشاه
وبارك لنا في الزرع والضرع دائمًا ... وغزر لنا شعب النبات وفرعاه
وأرخص لنا الأسعار في كل بلدة ... واغن جميع الخلق كلًا بمعناه
وسهل ونفس واقض كل إنابة ... وتب واعف واغفر كل ذنب عملناه
_________
(١) متفق عليه أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (٦/٢٦٩٤، رقم ٦٩٦٩)، والإمام مسلم في صحيحه (٤/٢١٠٧، رقم ٢٧٥١) من حديث أبي هريرة ﵁.
(٢) رواه عبد الرزاق عن معمر في الجامع (١١/٤١١، رقم ٢٠٨٥٨) من رواية الحكم بن أبان أنه سمع عكرمة يقول: «إن الله ﵎ إذا فرغ من القضاء بين خلقه أخرج كتابًا من تحت العرش فيه: رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين»، ومن طريقه ابن جرير الطبري في تفسيره (٧/١٥٥) ووقع عند الطبري أن الحكم بن أبان قال: عن عكرمة وحسبته أسنده.
1 / 59