كتاب بدء الوحي
«قال الشيخ الحافظ الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم» .
قال العلماء (١): «بسم الله» جار ومجرور متعلق بمحذوف اتفاقًا، قدره بعضهم فعلًا نظرًا إلى أن الأصل في العمل الأفعال، وقدره بعضهم مصدرًا مرفوعًا على الابتدا نظرًا إلى أن المقام مقام الابتدا، والتقدير على الأول: «بسم الله ابتدئ» وعلى الثاني: «ابتدائي ببسم الله ثابت» فحذف المبتدأ وخبره، وبقي معمول المبتدأ والتقدير الأول أولى، لأن المصدر لا يعمل محذوفًا.
ولو قيل: إن «بسم الله» متعلق بالاستقرار على أنه في موضع الخبر لمبتدأ محذوف: والتقدير: «ابتدائي مستقر ببسم الله» لم يبعد وسلم من دعوى عمل المصدر في حالة حذفه، قاله في بعض المحققين، وقال: إنه لم يره مسطورًا.
ويقدر متعلق «بسم الله» في كل موضع بحسبه، فإن جعلت «بسم الله» للأكل، قدرت: بسم الله آكل أو أكلي، أو للشرب قدرت: بسم الله أشرب أو شربي، وما أشبه.
فالحاصل أن متعلق «بسم الله» إما «أبتدي» أو «ابتدائي»، ويسمي «المجرور» حنيئذ «بالظرف اللغو»، وإما أن يكون المتعلق الاستقرار ويسمي «بالظرف المستقر»، والفرق بين الظرف اللغو والمستقر: أن الظرف اللغو ما كان عامله خاصًا كالابتداء ونحوه، والمستقر: ما كان عامله عامًا كالاستقراء ونحوه.
وإضافة «اسم» إلى «الله» قيل: من إضافه العام إلى الخاص «كخاتم حديد» .
وقيل: المضاف هنا مقتحم جيء به لإرشاد حسن الأداء.
وقيل: الاسم هنا بمعني التسمية.
وقيل: في الكلام حذف مضاف تقديره: باسم مسمى الله، «والله» علم على الذات المعبود بحق، وتفخم لامه وجوبًا إذا ضم ما قبله، قال ابن الجزري:
وفخم اللام من اسم الله ... عن فتح أو ضم كعبد الله
و«الرحمن» على وزن فعلان مشتق من «رحم» بالكسر، «كغضبان» من غضب، وهو صفة مشبهة.
فإن قيل: كيف يأتي من «رحم» بالكسر وهو متعدد، وهي لا تأتي إلا من فعل لازم؟
_________
(١) انظر تفصيل ذلك أيضًا في التبيان في إعراب القرآن (١/١) .
1 / 57