مجالس العلماء
لأبي القاسم عبد الرحمن إسحاق الزجاجي
٣٣٩ هـ
عبد السلام محمد هارون
الناشر
مكتبة الخانجي - القاهرة
دار الرفاعي بالرياض
الطبعة الثانية
١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م
Bog aan la aqoon
بسم الله الرحمن الرحيم
١- مجلس عيسى بن عمر الثقفي مع أبي عمرو بن العلاء
حدثني أبو عبد الله الحسن بن علي قال: حدثني أبو عبد الله اليزيدي عن عمه عن جده أبي محمد. وقال أبو جعفر محمد بن حبيب: ذكر أبو محمد اليزيدي قال:
جاء عيسى بن عمر إلى أبي عمرو بن العلاء ونحن عنده فقال: يا أبا عمرو، ما شيءٌ بلغني أنك تجيزه؟ قال: وما هو؟ قال: بلغني أنك تجيز: «ليس الطيب إلا المسك» بالرفع. قال: فقال له أبو عمرو: نمت يا أبا عمر وأدلج الناس، ليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب، ولا في الأرض تميمي إلا وهو يرفع.
قال اليزيدي: ثم قال أبو عمرو: تعال أنت يا يحيى، وتعال أنت يا خلف -لخلفٍ الأحمر- اذهبا إلى أبي المهدي فلقناه الرفع فإنه لا يرفع، واذهبا إلى المنتجع التميمي ولقناه النصب فإنه لا ينصب.
قال: فذهبت أنا وخلفٌ وأتينا أبا المهدي فإذا هو يصلي وكان به عارض، وإذا هو يقول في الصلاة: إخسأنان عني! قال: ثم قضى صلاته وانفتل إلينا فقال: ما خطبكما؟ قلنا: جئنا نسألك عن شيءٍ من كلام العرب. فقال: هاتيا. فقلت له: كيف تقول: ليس الطيب إلا المسك؟
1 / 3
فقال: أتأمراني بالكذب على كبرة سني فأين الجادي؟ قال ابن حبيب: وحكى ابن الأعرابي: فأين بنة الإبل؛ وأين كذا وأين كذا؟ قال اليزيدي: فقال له خلفٌ: ليس الشراب إلا العسل. قال: فما يصنع سودان هجر، ما لهم شرابٌ إلا هذا التمر.
قال اليزيدي: فلما رأيت ذلك منه قلت له: ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله والعمل بها. قال: فقال: هذا كلامٌ لا دخل فيه، ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله والعمل به. فنصب.
قال اليزيدي: فقلت له: ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله والعمل به. ورفعت، فقال: لا، ليس هذا من لحني ولا من لحن قومي. قال: فكتبنا ما سمعنا منه. قال: فقال: ألا أنشدكما أبيانًا قلتها حين سمعت تراطن هذه الأعاجم حولي؟ قلنا: بلى. فأنشدنا:
يقولون لي شنبذ ولست مشنبذا ... طوال الليالي أو يزول ثبير
ولا قائلا زوذا لأعجل صاحبي ... وبستان في صدري علي كبير
ولا تاركًا لحنًا لأحسن لحنكم ... ولو دار صرف الدهر حيث يدور
قال: فكتبنا هذه الأبيات ثم أتينا المنتجع، فأتينا رجلا يعقل، فقال
1 / 4
له خلف: ليس الطيب إلا المسك، قال: فرفع، ولقناه وجهدنا به في ذلك، فلم ينصب وأبي إلا الرفع.
قال: فأتينا أبا عمرو فأعلمناه وعنده عيسى بن عمر لم يبرح، قال فأخرج عيسى خاتمه من يده ثم قال: لك الخاتم، بهذا والله فقت الناس!
قال محمد بن سلام الجمحي: [كان أبو مهدي] هذا، وهو من باهلة، يضرب حنكيه يمينا وشمالا ويقول: إخسأنان عني. فسألناه عن ذلك فقال: جنانٌ تذأمني. أي تركبني.
1 / 5
٢- مجلس أبي عمرو مع أبي خيرة
حدثني أبو الحسن علي بن سليمان قال: حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى قال: حدثني الرياشي، قال: حدثني الأصمعي قال:
قال أبو عمرو بن العلاء لأبي خيرة:
كيف تقول: حفرت إراتك؟ [فقال: حفرت إراتك] . قال: فكيف تقول: استأصل الله عرقاتِهم أو عرقاتَهم؟ فقال: استأصل الله عرقاتَهم. فلم يعرفها أبو عمرو وقال: لأن جلدك يا أبا خيرة. يقول: أخطأت.
قال أبو العباس: وهي لغةٌ لم تبلغ أبا عمرو. يقال وأرت إرة أئرها وأرا، إذا حفرت حفيرة تطبخ فيها. وإراتٌ: جمع إرة.
وقال أبو عثمان: كان أبو عمرو يرده ويراه لحنا.
قال المازني: واختلفوا فيها فقال بعضهم: عرقاتهم وقال بعضهم: عرقاتهم. فأما من قال عرقاتِهم فإنه يجعله جمع عرق، ومن نصبه جعله بمنزلة سِعلاة وعلقاة.
1 / 6
وأما لغاتهم وما أشبهه فلا يجوز فيه إلا الكسر، لأنه تاء جمع. وأنشدنا الأصمعي للهذلي:
كأن ظباتها عقرٌ بعيج ...
فهذه جمع ظبة. وكذلك ثباتٌ.
والأصل في لغة لغوة، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا. وهو اسمٌ حذفت لامه.
1 / 7
٣- مجلس المنتجع بن نبهان مع أبي خيرة
حدثني أبو الحسن قال: حدثني أحمد بن يحيى قال: حدثني الرياشي قال: حدثني أبو زيد قال: قال منتجع: كمء وكمأة للجميع. فقال أبو خيرة: كمأة للواحد وكمء للجميع، مثل تمرة وتمر. قال: فمر بهم رؤبة فسألوه فقال كما قال منتجع. وقال الأصمعي كما قال أبو خيرة. وقال أبو زيد: قد يقال كمأة وكمء كما قال أبو خيرة.
وقد سمعت أبا زيد يقول: قال المنتجع: أغمي على المريض. وقال أبو خيرة: غمي. فأرسلوا إلى أم أبي خيرة فقالت: أغمي على المريض. فقال لها المنتجع: أفسدك ابنك. وكان وراقا.
1 / 8
٤- مجلس سيبويه مع الكسائي وأصحابه بحضرة الرشيد
حدثني أبو الحسن قال: حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى، وأبو العباس محمد بن يزيد وغيرهما قال أحمد: حدثني سلمة قال: قال الفراء:
قدم سيبويه على البرامكة، فعزم يحيى على الجمع بينه وبين الكسائي، فجعل لذلك يوما، فلما حضر تقدمت والأحمر فدخلنا، فإذا بمثالٍ في صدر المجلس، فقعد عليه يحيى، وقعد إلى جانب المثال جعفرٌ والفضل ومن حضر بحضورهم، وحضر سيبويه فأقبل عليه الأحمر فسأله عن مسألةٍ أجاب فيها سيبويه، فقال له: أخطأت.
ثم سأله عن ثانية فأجابه فيها، فقال له: أخطأت. ثم سأله عن ثالثة فأجابه فيها فقال له: أخطأت. فقال له سيبويه: هذا سوء أدب!
قال: فأقبلت عليه فقلت: إن في هذا الرجل حدا وعجلة، ولكن ما تقول فيمن قال: هؤلاء أبون، ومررت بأبين، كيف تقول مثال ذلك من وأيت أو أويت. قال: فقدر فأخطأ. فقلت: أعد النظر فيه. فقدر فأخطأ. فقلت: أعد النظر، ثلاث مرات، يجيب ولا يصيب. قال: فلما كثر ذلك قال: لست أكلمكما أو يحضر صاحبكما حتى أناظره. قال: فحضر الكسائي فأقبل على سيبويه فقال: تسألني أو أسألك؟ فقال: لا، بل سلني أنت. فأقبل عليه الكسائي فقال له: ما تقول أو كيف تقول: قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو
1 / 9
هي، أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: فإذا هو هي. ولا يجوز النصب.
فقال له الكسائي: لحنت. ثم سأله عن مسائل من هذا النوع: خرجت فإذا عبد الله القائم، أو القائم؟ فقال سيبويه في كل ذلك بالرفع دون النصب. فقال الكسائي: ليس هذا كلام العرب، العرب ترفع في ذلك كله وتنصب. فدفع سيبويه قوله، فقال يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما؟ فقال الكسائي: هذه العرب ببابك، قد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم، فيحضرون ويسألون. فقال يحيى وجعفر: لقد أنصفت. وأمر بإحضارهم، فدخلوا وفيهم أبو فقعسٍ، وأبو زياد، وأبو الجراح، وأبو ثروان، فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه، فتابعوا الكسائي وقالوا بقوله. قال: فأقبل يحيى على سيبويه فقال له: قد تسمع أيها الرجل. قال: فاستكان سيبويه، وأقبل الكسائي على يحيى فقال: أصلح الله الوزير، إنه قد وفد عليك من بلده مؤمِّلا، فإن رأيت ألا ترده خائبا. فأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج وصير وجهه إلى فارس، فأقام هناك حتى مات ولم يعد إلى البصرة.
قال أبو العباس: وإنما أدخل العماد في قوله: فإذا هو إياها، لأن «فإذا» مفاجأة، أي فوجدته ورأيته. ووجدت ورأيت تنصب شيئين، ويكون معه خبر، فلذلك نصبت العرب.
1 / 10
٥- مجلس الكسائي مع أبي محمد اليزيدي
حدثني أبو الحسن قال: حدثني أبو العباس ثعلب قال: حدثني خلف البزاز قال:
جمعت الكسائي واليزيدي في عرس أم هؤلاء –يعني أولاده- فقال له اليزيدي: يا أبا الحسن، تأتينا عنك أشياء ننكرها. فقال: وأي شيءٍ مع الناس إلا فضل بزاقى. قال: فما كلمه حتى قام.
قال أبو العباس: كان الكسائي لم يكن يعتل، فإذا اعتل لم يقم له.
1 / 11
٦- مجلس عبد الملك بن قريب مع كيسان
حدثني أبو الحسن قال: حدثني أبو العباس ثعلب قال: قرأ بعض أصحاب الأصمعي عليه شعر النابغة الجعدي حتى انتهى إلى قوله:
إنك أنت المحزون في أثر الحي ... فإن تنو نيهم تقم
فقال الأصمعي: معناه فإن تنو نيهم تقم صدور الإبل، تظعن نحوهم، كما قال الآخر:
أقم لها صدورها يابسبس
فقال له كيسان: كذبت، أما إنك سمعت من أبي عمرو بن العلاء، لكن نسيت، إنما أراد أنهم قد نووا فراقك فذهبوا وتركوك، فإن تنو لهم مثل ما نووا فيك من القطيعة تقم في دارك ومكانك، ولا ترحل عنهم ولا تطلبهم، كما قال الآخر:
إذا اختلجت عنك النوى ذا مودة ... قربن بقطاع من البين ذي شعب
أذاقتك مر العيش أو مت حسرة ... كما مات مسقى الضياح على ألب
ألب يألب، ولاب يلوب واحد. يقول: إذا باعدت بيني وبين من
1 / 12
أحب قربن –يعني إبلي- قربت إلى منزلي ووطني، ومياهي، ولم أتبع من فارقني، لأني صبور على الفراق جلدٌ متعود لذلك.
فقطاع يعني نفسه هو القطاع، لأني أقطع من قطعني. وأذاقتك، يعني من تحب، وهي التي فارقتها، فأنت وإن كنت كذا وعلى هذا الحال فأنت صبورٌ، قوي على القطع. وكما قال الراعي:
وإلفٍ صبرت النفس عنه وقد رأى ... غداة فراق الحي ألا تلاقيا
وقد قادني الجيران حينا وقدتهم ... وفارقت حتى ما تحن جماليا
1 / 13
٧- مجلس الأصمعي مع المفضل عند عيسى بن جعفر
حدثني أبو الحسن علي بن سليمان قال: حدثني أحمد بن يحيى ومحمد بن يزيد، قالا: حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال:
ناظرني المفضل عند عيسى بن جعفر، فأنشد بيت أوس بن حجر:
وذات هدمٍ عار نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جذعا
فقلت له: هذا تصحيف، لا يوصف التولب بالإجذاع، وإنما هو «جدعًا» . والجدع: السيء الغذاء. قال: فجعل المفضل يشغب، فقلت له: تكلم كلام النمل وأصب، لو نفخت في شبور يهودي ما نفعك شيئا.
وحدثني أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم قال: حدثني أبي عبد الله قال: بلغني عن الجاحظ أن المفضل أنشد جعفر بن سليمان بيت أوس بن حجر فأنشده «جذعا» بالذال مفتوحة، والأصمعي حاضر، فقال الأصمعي: إنما هو «تولبًا جدعًا»، بالدال مكسورة غير معجمة. وأنشد لأبي زبيد:
لا غيلٌ ولا جدع ...
1 / 14
وأنشده لآخر:
بلا جدعِ النبات ولا جديب ...
فضج المفضل ورفع صوته وهو يصيح، فقال له الأصمعي: لو نفخت!
وفسر أبو محمد البيت فقال: النواشر: عصب الذراع، واحدها ناشرة، وبها سمي الرجل. والتولب يريد طفلها، وأصله ولد الحمار الصغير فاستعاره. والجدع: السيء الغذاء المقطوع عنه الري. تصمته بالماء، يقول: ليس لها لبنٌ من الضر وشدة الزمان، فهي تعلله بالماء.
وحدثني به أحمد بن مابنداذ، حدثني أحمد بن يحيى ثعلب.
1 / 15
٨- مجلس الأصمعي مع ابن الأعرابي عند سعيد بن سلم
حدثني أبو جعفر أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال: أخبرني بعض أصحابنا أن السبب في طعن ابن الأعرابي على الأصمعي وقدحه فيه، أن الأصمعي دخل يوما على سعيد بن سلم وابن الأعرابي يؤدب حينئذ ولده، فقال لبعضهم: أنشد أبا سعيد. فأنشد الغلام لرجل من بني كلاب شعرا رواه إياه ابن الأعرابي، وهو:
رأت نضو أسفارٍ أميمة قاعدا ... على نضو أسفارٍ فجن جنونها
فقالت: من أي الناس أنت ومن تكن ... فإنك راعي صرمةٍ لا تزينها
فقلت لها: ليس الشحوب على الفتى ... بعارٍ ولا خير الرجال سمينها
عليك براعي ثلة مسلحبة ... يروح عليه محضها وحقينها
سمين الضواحي لم تؤرقه ليلةٌ ... وأنعم أبكار الهموم وعونها
1 / 16
ورفع ليلة، فقال له الأصمعي: من رواك هذا؟ فقال: مؤدبي. فأحضره واستنشده البيت، فأنشده ورفع ليلة، فأخذ ذلك عليه، وفسر البيت فقال: إنما أراد لم تؤرقه ليلة أبكار الهموم. وعونها: جمع عوانٍ. وأنعم، أي زاد على هذه الصفة. وقوله: «سمين الضواحي»، يريد ما ظهر فيه وبدا سمينٌ. ثم قال لابن سلم: من لم يحسن هذا فليس موضعا لتأديب ولدك. فنحاه.
وأنشدني هذه الأبيات أبو الحسن قال: أنشدني ثعلب عن ابن الأعرابي.
1 / 17
٩- مجلس الأصمعي مع أبي عمرو الشيباني
حدثني أبو جعفر عن أبيه أبي محمد عبد الله بن مسلم قال: حدثني غير واحدٍ، منهم أحمد بن سعيد اللحياني، عن أبي عبيد. وحدثني أبو الحسن قال: حدثني محمد بن يزيد المبرد قال: حدثني أبو محمد التوزي عن أبي عمرو الشيباني، قال:
كنا بالرقة، فأنشد الأصمعي:
عننا باطلا وظلما كما تعنز ... عن حجرة الربيض الظباء
فقال له: سبحان الله! «تعتر» من العتيرة. فقال الأصمعي: «تعنز» أي تطعن بعنزة. فقلت له: لو نفخت في شبور اليهودي وصحت إلى التناد ما كان إلا «تعتر»، ولا ترويه بعد اليوم إلا «تعتر» .
قال أبو العباس محمد بن يزيد: قال التوزي قال لي أبو عمرو:
فقال: والله لا أعود بعدها إلى «تعنز» . والشعر للحارث بن حلزة.
1 / 18
وحدثنا أبو عبد الله اليزيدي قال: حدثنا أحمد بن يحيى قال: حدثني أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي قال:
جاءني الأصمعي وأبو عمروٍ عند أبي، فأنشد الأصمعي:
«كما تعنز عن حجرة»، فقال أبو عمرو: «تعتر»، فقال الأصمعي: هذا مأخوذ من العنزة والاعتناز. فقال أبو عمرو: ليس تروي بعد وقتك هذا إلا «تعتر» .
قال أبو محمد عبد الله بن مسلم: العتر: الذبح. والعتيرة: الذبيحة. والحجرة: الحظيرة تتخذ للغنم. والربيض: جماعة الغنم. وكان الرجل من العرب ينذر نذرا على شائه إذا بلغت مائة، أن يذبح عن كل عشرة منها شاة في رجب، وكان تسمى تلك الذبائح الرجبية، وهي العتائر. وكان الرجل منهم ربما بخل بشائه فيصيد ظباء فيذبحها عن غنمه في رجب ليوفي نذره، فقال: أنتم تأخذوننا بذنوب غيرنا، كما ذبح أولئك الظباء عن غنمهم. ومثله:
إذا اصطادوا بغانًا شيطوه ... فكان وفاء شائهم القروع
ويروى: «فكان وقاء شائهم القروع» .
1 / 19
١٠- مجلس الكسائي مع يونس
حدثني أبو الحسن علي بن سليمان قال: حدثني أبو العباس محمد بن يزيد قال: قال محمد بن سلام الجمحي: قدم الكسائي البصرة مع الرشيد، فجلس إلى يونس في حلقته، فألقى عليه بعض من حضر في المجلس ببيت الفرزدق:
غداة أحلت لابن أصرم طعنةٌ ... حصينٍ عبيطات السدائف والخمر
فأنشده هكذا، فقيل للكسائي: على أي شيءٍ رفعت؟ فقال: أضمرت فعلا، كأنه: وحلت لي الخمر. فقال يونس: ما أحسن والله ما وجهته، غير أني سمعت الفرزدق ينشده:
غداة أحلت لابن أصرم ضربة ... حصينٍ عبيطات السدائف والخمر
جعل الفاعل مفعولا كما قال الحطيئة:
فلما خشيت الهون والعير ممسكٌ ... على رغمه ما أمسك الحبل حافره
والقصيدة على الرفع، جعل الفاعل مفعولا. فقال الكسائي: هذا على هذا وجهٌ.
1 / 20
١١- مجلس العتابي كلثوم بن عمرو مع منصور النمري
قال أحمد بن الحارث الخزاز: أنشد العتابي كلثوم بن عمرو:
يا ليلة لي بحوارين ساهرة ... حتى تكلم في الصبح العصافير
فقال له منصور النمري: العصافير تتكلم؟ فقال العتابي: نعم تتكلم وتنطق، ويقال ذلك لما أعرب عن نفسه بحالٍ ترى فيه، فيقال: أخبرت الدار بكذا، وتكلمت بكذا، فكيف ماله نطقٌ؟! أما سمعت قول كثيرٍ:
سوى ذكرةٍ منها إذ الركب عرسوا ... وهبت عصافير الصريم النواطق
وقول الكميت:
كالناطقات الصادقات ... الواسقات من الذخائر
قال: فسكت منصورٌ منقطعا.
1 / 21