Miiska Aflatoon: Hadal ku Saabsan Jacaylka
مائدة أفلاطون: كلام في الحب
Noocyada
وقد لاحظ القارئ في الصحف السابقة أن أهل أثينا لم يتركوا حكيما يفر من أيديهم بغير عقاب، أو دون أن يحاولوا ذلك على الأقل؛ فكان هذا شأنهم مع أناكساجور لولا الصداقة التي كانت بينه وبين بركليس، وفعلوا ذلك في فيثاغورس، وأحرقوه ومن معه، وقتلوا سقراط، وحاولوا ذلك مع أفلاطون لولا فراره، وحاولوا ذلك مع أرسطو، والناس تظن بحسن نيتها أن المدينة التي ينشأ فيها مثل هؤلاء الفلاسفة لا بد أن تقدرهم وتجلهم وتعبدهم وتضعهم موضع الآلهة، ولكن الحقيقة على العكس؛ لأن الطبيعة الإنسانية هي هي في كل زمان ومكان، وكل عبقري أو نابغ يكون في الحقيقة غريبا في وطنه، ووحيدا بين أبناء عصره؛ لأنه يسبقهم بفكره مراحل وأجيالا. والذي يجعلنا نتخيل عدل أهل أثينا وكمال أدبهم إنما هو وجود هؤلاء الفلاسفة فيها، ولكن فكرة العدل وكمال الأدب جاءت إلى أذهاننا من آثار هؤلاء الحكماء، وشخصيتهم العظيمة، ومؤلفاتهم الممتعة، وأخبارهم الطلية، فعممناها بطريق القياس على جميع أهل البلد، وجميع أهل العصر. والحقيقة أن أهل أثينا في عهد سقراط أو أفلاطون أو أرسطو لم يكونوا إلا جماعة من الجهلاء السخفاء المتعصبين المبغضين للعظماء المحبين للانتقام، وإننا نستهجن الآن إحراق فيثاغورس، وقتل سقراط، ومحاولة اغتيال أفلاطون وأرسطو، وهذا الاستهجان ليس إلا غشا وخداعا منا لأنفسنا ولغيرنا؛ لأننا إذا رأينا الآن بين ظهرانينا نابغا أو ممتازا، فلا نلبث أن نكرهه ونحتقره، ثم نضايقه لنخمد أنفاسه، وإذا استطعنا قتله، فإننا لا نتردد؛ وإلا فكيف نفسر تعذيب العظماء والحكماء في القرون الوسطى والقرون الحديثة، واضطهاد رجال مثل جاليليه وميشيل سيرفيه، ونبي عظيم مثل السيد المسيح عليه التحية، إذا كانت الإنسانية حقيقة طيبة القلب، طاهرة الطبيعة، وأنها قد ندمت حقيقة على ما فرط منها في حق الحكماء الأقدمين الذين ذهبوا ضحية أفكارهم .
نقول إن أفلاطون كان يسمي أرسطو القارئ؛ لأنه كان كثير الانكباب على الدرس، كبير الثقة في الكتب، وكان لا يعول على ما يسمع من أفواه الناس؛ لأن عقله كان يقوده دائما إلى ضرورة التحليل والتمحيص، وهذا يتفق مع مباحث الكتب، ولا يتفق مع الأقوال المحكية، ويظهر أن أفلاطون في أواخر أيامه استفاد كثيرا من آراء تلميذه الذي نضج، ولكن أرسطو كان قد شعر بضرورة الانشقاق عليه، فلما مات أفلاطون خلفه في إدارة مدرسته ابن أخته، وكان صبيا من أتباع فيثاغورس في الفكر، فقلب أكاديمية أفلاطون إلى «مهندسخانة» تعلم الرياضيات على طريقة فيثاغورس التي حاول أرسطو تفنيدها في مؤلفاته. قلنا إنه لولا تعليم أفلاطون ما كان أرسطو فيلسوفا؛ لأن أرسطو استفاد طريقة التقسيم والتنسيق العلمي من أستاذه، ولكنه يخالفه في طريقة التفكير ونتائجه؛ فإن أفلاطون يقول بواجب الوجود، ويجعله مصدر الخير، ومدبر الكون والعلة الأولى، ولكن أرسطو ينكره وينكر إدارته للعالم، ويقول إن الكون يسير من تلقاء نفسه، وبغير عناية عليا. كان هم أفلاطون منصرفا إلى الأدبيات والإدارة المدنية، وتهذيب النفس عن طريق الموعظة الحسنة، ولكن أرسطو يعتبر الكون والطبيعة والحياة الإنسانية شيئا واحدا، وكتلة لا تتجزأ إلا من حيث كونها مؤلفة من دائرتين؛ الأولى عليا، وهي عالم الأجرام والأرواح السماوية، والثانية سفلى، وهي عالم الأجسام والمادة؛ فأفلاطون اختص بدرس الإنسان بصفته فردا، وبصفته جزءا من الجماعة، أما أرسطو فقد درسه بصفته جزءا من الكون، وهو الذي أطلق عليه اسم العالم الأصغر الذي أخذه عنه كتاب العرب.
يقول أرسطو: إن العالم حقيقي، ولكنه غير محكم التنظيم، وإن للمصادفات في إدارته نصيبا. تكلمنا في أول بحثنا عن أرسطو في كتابه فيما وراء الطبيعة الذي لم ينجزه، وقلنا إن الجزء الذي وصل إلينا يدلنا على عظم قدر الكتاب كله، وقد اتبع أرسطو في وضعه طريقة التقسيم والتنسيق التي كانت سائرة في كل مؤلفاته بحيث إن الذي يقرأها فكأنه يقرأ فهرستا مطولا، والشاغل الأكبر لذهنه في كتاب ما وراء المادة هو تقسيم الكون إلى دوائر عليا، ودوائر سفلى، وقد ظن بعضهم أنه تنبأ بنظرية النشوء والترقي التي أصبح لها أعظم شأن في العلوم والفلسفة، والحقيقة أن هذا يعد مبالغة، وإن كان بعض الفلاسفة السابقين قد اكتشفوا هذا المبدأ، وقالوا به وقد ذكرناهم، ولكن أرسطو لم يقل به؛ لأنه كان يعتقد بأن الحيوانات وجدت منذ الأزل على صورتها الحالية، وكذلك كان يقول بأن الأعضاء تؤدي الوظائف التي خلقت لها، وهذان الرأيان يخالفان كل المخالفة نظرية التطور، وكان أرسطو ماهرا في التشريح، وقليل العلم بوظائف الأعضاء، ولا يخفى أنه نشأ في أسرة طبية؛ فحذقه في التشريح موروث، أما تقصيره في الفيزيولوجيا فكان بالنظر لحالة العلم في عصره.
وقد ختم نظامه في ما وراء الطبيعة بإنكار الخالق، ولم ينكر الخالق عمدا، ولكن جاء الإنكار كنتيجة منطقية لنظامه الفلسفي، ومما يدهشنا أنه قال في ما وراء الطبيعة بوجود العلل النهائية، فكيف يوفق بين إنكار الخالق وبين القول بالعلل النهائية؛ لأنه لا يخفى بالطبع أن العلل النهائية لا تكون إلا حيث يكون الخالق الذي جعل كل شيء لحكمة، فإذا اختفت هذه الحكمة، وهي علة الخلق فلا حاجة حينئذ إلى وجود الخالق موجد الأسباب والعلل.
أما رأيه في المادة فهو يقول إنها موجودة أزلية، وتقابلها القوة الكامنة، وإنهما أصل كافة المخلوقات.
وقد اشتغل فلاسفة العرب بشرح فلسفة أرسطو، وشرحها ابن رشد ثلاثة شروح؛ وجيز، ووسط، ومسهب، ولكن شروحه مبهمة غامضة، وأسلوبه معقد، ولكن القارئ لا يلبث أن يتعود الألفاظ والتعبيرات فيستفيد بها، وأقوال أرسطو التي نقلها ابن رشد خصوصا فيما وراء الطبيعة، وهي القسم الرابع من كتبه هي التي أدت بالتنكيل بابن رشد في بلده قرطبة؛ فصلبوه وبصقوا في وجهه، وإن هذا في نظري أعظم من القتل، وقد عنى الإفرنج بنقل ما وراء الطبيعة لأرسطو عناية تامة، ولكنه لم ينقل برمته إلى اللغة العربية، ولا فائدة في نظرنا للنهضة التي لا تبدأ بنقل مؤلفات اليونان إلى اللغة العربية ودرسها وتمحيصها.
وأهم من الميتافيزيقى (ما وراء الطبيعة) في مؤلفات أرسطو مؤلفاته «الإنسانية»، وكان هذا الوصف يطلق لتمييزها عن الطبيعيات، وهي مؤلفاته في علم النفس والمنطق والشعر والبلاغة والأخلاق والسياسة المدنية، وبعبارة أخرى هي المؤلفات المستمدة مباشرة من روح أفلاطون، وإن كانت تخالفها في النتائج.
أما عن علم النفس فأرسطو يقول بوجود الروح، ويدعو النفس أو الروح شكلا؛ أي إن الجسم موضوع والروح شكله، أو الجسم مادة والروح قوته الكامنة، أو الجسم مسبب والروح علته النهائية، وهو ينكر التقمص الذي قال به أفلاطون، وينكر الثواب والعقاب في الآخرة، وينكر الافتطار أو العلم بطريق رجوع النفس إلى الماضي، أو إشرافها على المستقبل، وهي النظرية التي شرحناها عند الكلام على أفلاطون، وهو بذلك يكون خصما للمدرسة الحديثة القائمة على نظرية الافتطار
Intuition ، ومن أعظم أقطابها ويليام جيمس بأمريكا وبرجسون بفرنسا، وأعظم ممثل لآراء أرسطو في العهد الحديث يمكن أن يكون ألفرد فوييه المتوفى في 1914؛ فهو في الواقع أرسطو جديد، وليس هنا مجال الكلام عليه، ولكن أشرنا إليه ليدرس فلسفته من يشاء.
وتلوح على معظم فلسفة أرسطو النفسية مسحة من المادية؛ فهو يقول بأن الحواس هي وحدها مصدر العلم؛ ولذا مجد الحواس، ورفع شأنها بعكس أسلافه الذين كانوا يمجدون العقل والمعنى بغير تقدير لقيمة الحواس التي تنقل المعاني إلى العقل، وقال: إن القلب مركز الحواس، ومركز «الذوق المعنوي»، ومركز الذاكرة والمخيلة، ويظهر لي أن هذا التعظيم للقلب، ونسبة جميع هذه الصفات إليه هي التي جعلت العرب يتغنون به في كتبهم وأشعارهم، ويجعلونه مركز الشجاعة والحب والإخلاص أو ضدهما، وهذا أيضا شائع عند الإفرنج، ولكنه رأس فاسد، وقال بأن التذكر راجع إلى فكرة «اجتماع المعاني» التي قال بها أفلاطون، وهي أساس البسيكولوجيا الفرنسوية كما يظهر لنا من مؤلفات ريبو
Bog aan la aqoon