ينتج فإثا بيّنا أن المقدمة الثانية في النظم الأول ينبغي أن تكون عامة، فإن كانت خاصة لم تنتج. وهذا غلط من قال إن صانع العلم تعالى عن قوله جسم، إذ يقال له لِمَ فيقول لأن كل فاعل جسم، فيقال له فبما عرفت هذا فيقول بالاستقراء، إذ تصفحت الفاعلين من خياط وبنّاء واسكاف وحجام وحداد وغيرهم فوجدتهم أجسامًا، فيقال وهل تصفحت صانع العالم، فإن قلت نعم فوجدته جسما فهو محل النزاع، فكيف أدخلته بالمقدمة؟ وإن قلت لا فقد ظهر لك بعض الفاعلين لا كلّهم، فظهر بذلك أن الاستقراء إذا لم يكن تامًا مستوعبًا لم يقدران استوعب دخلت فيه النتيجة المطلوبة، ولا يصح ذلك إلا في الظنيات لأنه مهما وجد الأكثر على نمط واحد غلب على الظن أن الآخر كذلك.
الفصل الثالث
من وجه لزوم النتيجة من المقدمات
وهو الذي يعبّر عنه بوجه الدليل، ويلتبس الأمر فيه على الضعفاء ولا يتحققون أن وجه الدليل عين المدلول أو غير. فيقول كل مفردين جمعتهما القوة المفكرة ونسبت أحدهما إلى الآخر بنفي أو إثبات وعرضته على العقل لم يخلُ العقل فيه من أمرين إما أن يصدّق به أو يمتنع عن تصديقه، فان صدّق به فهو الأولى المعلوم بغير واسطة، ويقال انه معلوم بغير دليل وبغير علة وبغير حيلة وبغير نظر وتأمل. وهذه العبارات تؤدي معنى واحدًا في هذا المقام، وإن امتنع عن المبادرة إلى التصديق ولا يطمع بعد ذلك في تصديقه إلا بواسطة، وتلك الواسطة هي التي تنسب الحكم إلى المحكوم عليه فيجعل خبرًا عنه فيصدق به وينسب إلى الحكم فبجعل الحكم خبرًا عنه فيصدق به فيلزمه من ذلك بالضرورة التصديق بنسبة الحكم إلى المحكوم عليه، وبيانه أنا إذا قلنا للعقل هل النبيذ حرام؟ قال لا أدري ولم يصدق به، فعلمنا أنه ليس في الذهن طرف هذه القضية وهو الحرام والنبيذ، فلا بد وأن يطلب واسطة، ربما يصدق العقل بوجوده في النبيذ ويصدق بوجود وصف الحرام لتلك الواسطة فيلزمه التصديق بالمطلوب. فيقول وهل النبيذ مسكر فيقول نعم، إذا كان قد حصل له ذلك بالتجربة، فيقول وهل المسكر حرام فيقول نعم إذا حصل له ذلك بالسماع، فيقول وهل المدرك بالسمع " يعمل بحكمه " قلنا نعم. فإن صدّقت بهاتين القضيتين لزمك التصديق بالثالث وهو أن النبيذ حرام بالضرورة، فيلزمه ذلك ويذعن للتصديق به. فإن قلت هذه القضية ليست خارجة عن القضيتين وليست زائدة عليهما، فاعلم أن ما توهمته حق من وجه وغلط من وجه. إما وجه الغلط فهو أن هذه القضية ثالثة بدليل أنك تقول النبيذ حرام وتقول
1 / 240