للجاحظ مقدمته التي يعترف فيها أبو عثمان أنه كان ينحل غيره- أمثال ابن المقفع، والخليل بن أحمد، وسلم صاحب بيت الحكمة، والعتابي، ويحيى بن خالد، وأشباههم- بعض كتبه، لتروج. وأن بعض الكتاب في عصره كانوا يغيرون على كتبه ويسرقون بعض فصولها ومعانيها ويؤلفون منها كتبا ينسبونها لأنفسهم. ثم يعلن نسبة الكتاب إليه قائلا: «وهذا كتاب وسمته بالمحاسن والأضداد لم أسبق إلى نحلته ولم يسألني أحد صنعه، ابتدأته بذكر محاسن الكتابة والكتب، وختمته بذكر شيء من محاسن الموت. والله يكلأه من حاسد إذا حسد» .
والحق أن هذه المقدمة التي لا تتعدى صفحة واحدة إنما هي فقرة استلت من رسالة للجاحظ طويلة عنوانها «فصل ما بين العداوة والحسد» ووضعت في صدر هذا الكتاب لتخفي حقيقته. بيد أن ما جاء فيها بصدد النحل والسرقة يشكل برهانا على نحل الكتاب، او عدم صحة نسبته للجاحظ: إن قلق الناحل من انكشاف فعلته وخوفه من أن يرمى بالنحل دفعاه إلى الكلام على النحل وابعاد التهمة عن نفسه.
وإمعانا في تضليل القارىء أورد المؤلف بابين في أول الكتاب:
باب في محاسن الكتابة والكتب، وباب في مساوىء اللحن في اللغة.
وكلاهما من كلام الجاحظ. استقى الأول من كتاب الحيوان واستقى الثاني من كتاب البيان والتبيين مع بعض التصرف. أما سائر ابواب الكتاب التي تناهز الستين فإن عناوينها أو موضوعاتها طرقها الجاحظ في مختلف كتبه ولكن محتوياتها غير موجودة في تلك الكتب.
وقد فزع المؤلف إلى وسيلة أخرى للتمويه هي الجدل. والجدل يعني هنا قول الشيء وضده. وقد أولع الجاحظ بالجدل حتى غدا سمة من سمات كتاباته، فنهج المؤلف هذا النهج تقليدا للجاحظ. فهو يعدد محاسن الشيء ثم يردف ذلك بتعداد مساوئه: محاسن المخاطبات
1 / 6