Mafhumka Manhajka Cilmi
مفهوم المنهج العلمي
Noocyada
من الحضارة الإسلامية إلى العلم الحديث
(1) ملامح حضارة ناهضة
بلغت البشرية عصرها الحديث ومرحلة العلم الحديث عبر وبفضل المرحلة التي تعرف باسم مرحلة تاريخ العلوم عند العرب في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية،
1
وهي مرحلة تمتد من القرن الثامن الميلادي إلى القرن الثاني عشر، لكنها في واقع الأمر تملأ الفراغ الحضاري الممتد منذ انتهاء عصر العلم السكندري في مصر إبان القرن الأول الميلادي، حتى بزوغ الجمهوريات الإيطالية في عصر النهضة.
مرحلة تاريخ العلوم عند العرب أهم مراحل العلم القديم طرا، ذروته وتاجه؛ حيث صياغة مفهوم المنهج العلمي وآلياته الإجرائية، متميزة وواضحة لأول مرة في التاريخ، كنظرية وكواقع وكممارسة، ناشئة عن النموذج المعرفي الشامل، ومتفاعلة مع الإطار الحضاري، وتتميز هذه المرحلة بوضعية خاصة للقيم وتوليد لإيجابيات قيمية علمية، بفضل تفعيل حي للعوامل السوسيولوجية والثقافية.
لم يكن الأمر تنضيد إجرائيات المنهج العلمي فحسب، بل تكامل المنهج العلمي بقيمه الإيجابية الدافعة. كانت الحضارة الإسلامية مهيأة لذلك؛ لأن عالم الشهادة، العالم التجريبي، الطبيعة، ليس مصدرا للدنس والخطيئة، كما كان الأمر في المسيحية، بل هي في علم أصول الدين/علم الكلام «عالم»؛ أي علامة دالة على وجود الله، واحتلت الطبيعة موضعها على مسرح الحضارة الإسلامية.
2
إنها حضارة مركزها النص الديني الذي احتوى آيات بينات دافعة إلى النظر العقلي في الكون وفي الحياة وفي الأنفس، توجه مباشرة صوب الطبيعة، صوب العالم التجريبي. لقد كانت دافعية الممارسة العلمية أصلا ثاوية في آيات القرآن.
ترامت الإمبراطورية الإسلامية الناهضة التي لعبت «المدينة» فيها دورا أكبر، وضمت مراكز الحضارات الأسبق في مصر والعراق والشام وفارس ومناطق شاسعة في أواسط آسيا. وحتى الصين التي لم يفتحها العرب ولم يطئها جندي مسلم واحد، تكفلت طرق الحرير والقوافل التجارية بنقل تراثها التقاني الزاخر إلى العرب، وأصبح في متناول أيديهم كل التراث العلمي السابق عليهم تقريبا، في الحضارات الشرقية القديمة والتراث الإغريقي والسكندري، ليتفاعل مع تفتحهم الذهني وتسامحهم العقلي، وعوامل شتى في حضارتهم التي كانت دافقة، وعبقرياتها من ذوي الملل والأجناس الشتى، فتشكلت أهم مراحل العلم القديم وأنضج صياغاته وممارساته للمنهجية العلمية، وكانت حركة الترجمة والبحث تتم بمباركة السلطة وكرمها الباذخ أحيانا. يقول ج. كراوثر: «وقفت الثقافات الإغريقية واللاتينية والهندية والصينية جميعا بالنسبة إليهم على قدم المساواة، وكان من نتائج هذه العقلية المتعطشة للمعرفة عند المسلمين، أنهم أصبحوا بالفعل المؤسسين الحقيقيين لمفهوم العالمية في المعرفة أو وحدة المعرفة الإنسانية، وهي إحدى السمات بالغة الأهمية بالنسبة للعلم الحديث.»
Bog aan la aqoon