السلام، وإنَّما جلس جبريل عند النبي ﵇ هكذا؛ ليتعلم الحاضرون كيفيةَ جلوس السائل عند المسؤول؛ لأن الجلوس على الركبة أقربُ إلى التواضع والأدب، واتصال ركبة السائل بركبة المسؤول يكون أبلغَ في استماع كلَّ واحدٍ من السائل والمسؤول كلامَ صاحبه، وأبلغَ في حضور القلب، وألزمَ في الجواب؛ لأن الجلوس على هذه الهيئة دليلٌ على شدة حاجة السائل إلى المسؤول، وتعلق قلبه واهتمامه إلى استماع الجواب، فإذا عرف المسؤولُ هذا الحرصَ والاحتياجَ من السائل يُلزِم على نفسِهِ جوابَهُ، وبالغ في الجواب أكثر وأتم مما سأل السائل.
قوله: "ووضع يديه على فخذيه"، الضمير راجعٌ إلى النبي؛ أي: وضع جبريل يديه على فخذي رسول الله ﵇، هكذا فَسَّر هذين الضميرين مصنفُ الكتاب في كتابه المسمَّى بـ "الكفاية"، وأورد إسماعيل بن أبي الفضل التيمي هذا الحديث في كتابه المسمى بـ "الترغيب والترهيب"، ولفظه: وضعَ يديه على فخذي رسول الله ﵇؛ طلبَ إحضار رسول الله ﵇؛ يعني: ليكون أبلغَ في استماع رسول الله إلى كلام جبريل ﵇.
وقيل: كلا الضميرين راجع إلى جبريل؛ يعني: وضع جبريل يديه على فخذي نفسه، وهذا أقرب إلى التواضع والأدب، وكلُّ ذلك لتعليم الناس هيئة الجلوس والسؤال والجواب عند السادات والعلماء.
قوله: "أخبرني"، (الإخبار): الإعلام.
"فقال: يا محمد! أخبرني عن الإيمان"؛ يعني: قال جبريل: يا محمد! أخبرني عن الإيمان ما هو؟ فأجابه رسول الله ﵇ بأن الإيمان صفةٌ للقلب، وجعل القلب ساكنًا مطمئنًا بحقيقتِهِ وصدقِ هذه الأشياء الستة - أي: يؤمن بالله، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره - بحيث لا يخطرُ بقلبه شكُّ وترددٌّ في شيء منها، فمن شكَّ في شيء منها فهو كافر.