فإن قيل: قد ارتد جماعةٌ من جزيرة العرب إلى الكفر، فكيف يكون وجه استقامة هذا الحديث؟.
قلنا: لم يقل رسول الله ﵇ إنهم لم يرتدوا إلى الكفر، بل قد أيس الشيطان أن يرتد أهل جزيرة العرب إلى الكفر، فيجوز أن ييأس إبليس عن ارتدادهم، ويرتد بعضهم بعد ذلك؛ لأن إبليس لا يعلم ما يحدث في المستقبل، ويحتمل أن يريد رسول الله ﵇ بهذا الحديث حكمَ أكثر؛ لأن مَن ارتد منهم قليلٌ، والحكم للكثير، ويحتمل أن يريد بالمصلين: الدائمين على الصلاة عن اعتقادٍ صادقٍ ونيةٍ خالصة، ومَن ارتد من أهل جزيرة العرب لم يكن بهذه الصفة.
فإن قيل: لمَ خَصَّ رسول الله ﵇ جزيرة العرب بأنَّ الشيطان قد أيس أن يعبده المصلُّون، مع أن المسلمين الثابتين على الإسلام المخلصين في الطاعات كثيرةٌ في سائر البلاد؟
قلنا: لأن الإسلام لم يصل في زمن رسول الله ﵇ إلى بلدٍ آخر غيرِ جزيرة العرب.
و"جابر" اسم أبيه: عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي.
* * *
من الحِسَان:
٥٤ - عن ابن عبَّاس ﵄: أنَّ النبيَّ ﷺ جاءَهُ رجلٌ فقال: إنَّي أُحَدِّثُ نفْسي بالشيء، لأَنْ أكون حُمَمَةً أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أتكلَّمَ بِهِ، قال: "الحمدُ لله الذي رَدَّ أمرَهُ إلى الوَسْوَسة".
قوله: "أحدِّثُ نفسي"، (أحدث): فعلٌ فاعلُه فيه مضمرٌ؛ أي: أنا،