254

Mafatih al-Ghayb

مفاتيح الغيب

Daabacaha

دار إحياء التراث العربي

Daabacaad

الثالثة

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٠ هـ

Goobta Daabacaadda

بيروت

Noocyada

Fasiraadda
فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الْمُنَافِقُونَ: ١٠] فَكُلُّ هَذِهِ الْإِنْفَاقَاتِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْآيَةِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سبب لاستحقاق المدح.
[سورة البقرة (٢): آية ٤]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)
اعْلَمْ أَنَّ قوله: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: ٣] عَامٌّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُؤْمِنًا بِمُوسَى وَعِيسَى ﵉، أَوْ مَا كَانَ مُؤْمِنًا بِهِمَا، وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا دَخَلَ فِيهِ التَّخْصِيصُ أَضْعَفُ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ الْخَاصِّ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ، لِأَنَّ الْعَامَّ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالْخَاصَّ لَا يَحْتَمِلُهُ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةً، وَقَدْ شَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: ٢، ٣] فَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ آمَنُوا بِالرَّسُولِ: كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَمْثَالِهِ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ لِأَنَّ فِي هَذَا التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ مَزِيدَ تَشْرِيفٍ لَهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [الْبَقَرَةِ: ٩٨] ثُمَّ تَخْصِيصُ/ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَمْثَالِهِ بِهَذَا التَّشْرِيفِ تَرْغِيبٌ لِأَمْثَالِهِ فِي الدِّينِ، فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي ذِكْرِ هَذَا الْخَاصِّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِّ، ثُمَّ نَقُولُ. أَمَّا قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَا نِزَاعَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ إِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّصْدِيقُ، فَإِذَا قُلْنَا فُلَانٌ آمَنَ بِكَذَا، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَدَّقَ بِهِ وَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَامَ وَصَلَّى، فَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ ها هنا التَّصْدِيقُ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنَ المعرفة لأن الإيمان ها هنا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ وَالْمُصَدِّقُ مَعَ الشَّكِّ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَهُوَ إِلَى الذَّمِّ أَقْرَبُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ مِنْ إِنْزَالِ الْوَحْيِ وَكَوْنِ الْقُرْآنِ مُنْزَلًا، وَمُنَزَّلًا، وَمَنْزُولًا بِهِ، أَنَّ جِبْرِيلَ ﵇ سَمِعَ فِي السَّمَاءِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى فَنَزَلَ عَلَى الرَّسُولِ بِهِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: نَزَلَتْ رِسَالَةُ الْأَمِيرِ مِنَ الْقَصْرِ، وَالرِّسَالَةُ لَا تَنْزِلُ لَكِنَّ الْمُسْتَمِعَ يَسْمَعُ الرِّسَالَةَ من علو فينزل ويؤدي في سفل. وقوله الْأَمِيرِ لَا يُفَارِقُ ذَاتَهُ، وَلَكِنَّ السَّامِعَ يَسْمَعُ فَيَنْزِلُ وَيُؤَدِّي بِلَفْظِ نَفْسِهِ، وَيُقَالُ فُلَانٌ يَنْقُلُ الْكَلَامَ إِذَا سَمِعَ فِي مَوْضِعٍ وَأَدَّاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ سَمِعَ جِبْرِيلُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامُهُ لَيْسَ مِنَ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ عِنْدَكُمْ؟ قُلْنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ سَمْعًا لِكَلَامِهِ ثُمَّ أَقْدَرَهُ عَلَى عِبَارَةٍ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَلَقَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كِتَابَةً بِهَذَا النَّظْمِ الْمَخْصُوصِ فَقَرَأَهُ جِبْرِيلُ ﵇ فَحَفِظَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ أَصْوَاتًا مُقَطَّعَةً بِهَذَا النَّظْمِ الْمَخْصُوصِ فِي جِسْمٍ مَخْصُوصٍ فَيَتَلَقَّفَهُ جِبْرِيلُ ﵇ وَيَخْلُقَ لَهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِأَنَّهُ هُوَ الْعِبَارَةُ الْمُؤَدِّيَةُ لِمَعْنَى ذَلِكَ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ هَذَا الْإِيمَانُ وَاجِبٌ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ:
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الْبَقَرَةِ: ٥] فَثَبَتَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَذَا الْإِيمَانُ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مُفْلِحًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَجَبَ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عِلْمًا وَعَمَلًا إِلَّا إِذَا عَلِمَهُ عَلَى سَبِيلِ التفصيل، ولأنه إِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ كَذَلِكَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ، إِلَّا أَنَّ تَحْصِيلَ هَذَا الْعِلْمِ وَاجِبٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ، فَإِنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ بِالشَّرَائِعِ النَّازِلَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَامَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا أُنْزِلَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا

2 / 277