244

Mafatih al-Ghayb

مفاتيح الغيب

Daabacaha

دار إحياء التراث العربي

Daabacaad

الثالثة

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٠ هـ

Goobta Daabacaadda

بيروت

Noocyada

Fasiraadda
شَرْطِ الْهُدَى كَوْنُ الدَّلَالَةِ مُوَصِّلَةً إِلَى الْبُغْيَةِ لَمْ يَكُنِ الْوَصْفُ بِكَوْنِهِ مَهْدِيًّا مَدْحًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ هُدِيَ فَلَمْ يَهْتَدِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ اهْتَدَى مُطَاوِعُ هَدَى يُقَالُ: هَدَيْتُهُ فَاهْتَدَى، كَمَا يُقَالُ: كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ، وَقَطَعْتُهُ فَانْقَطَعَ فَكَمَا أَنَّ الِانْكِسَارَ والانقطاع لا زمان لِلْكَسْرِ وَالْقَطْعِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاهْتِدَاءُ مِنْ لَوَازِمِ الْهُدَى. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْهُدَى وَبَيْنَ الِاهْتِدَاءِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، فَمُقَابِلُ الهدى هو الإضلال ومقابل الاهتداء هو الضلال، فَجَعْلُ الْهُدَى فِي مُقَابَلَةِ الضَّلَالِ مُمْتَنِعٌ، وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ الْمُنْتَفِعَ بِالْهُدَى سُمِّيَ مَهْدِيًّا، وَغَيْرُ منتفع بِهِ لَا يُسَمَّى مَهْدِيًّا، وَلِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إِذَا لَمْ تُفْضِ إِلَى الْمَقْصُودِ كَانَتْ نَازِلَةً مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ. وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ الِائْتِمَارَ مُطَاوِعُ الْأَمْرِ يُقَالُ: أَمَرْتُهُ فَائْتَمَرَ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ آمِرًا حُصُولُ الِائْتِمَارِ، فَكَذَا هَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ هُدًى أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إِلَى الِاهْتِدَاءِ، عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ: هَدَيْتُهُ فَلَمْ يَهْتَدِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْهُدَى هُوَ الْعِلْمُ خَاصَّةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْقُرْآنَ بِأَنَّهُ هُدًى وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِعِلْمٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْهُدَى هُوَ الدلالة لا الاهتداء والعلم.
معنى المتقي:
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُتَّقِي فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَاهُ فَاتَّقَى، وَالْوِقَايَةُ فَرْطُ الصِّيَانَةِ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذكر المتقي هاهنا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ، وَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مُتَّقِيًا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، بَلْ بِأَنْ يَكُونَ مُتَّقِيًا فِيمَا يَتَّصِلُ بِالدِّينِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ آتِيًا بِالْعِبَادَاتِ مُحْتَرِزًا عَنِ الْمَحْظُورَاتِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ اجْتِنَابُ الصَّغَائِرِ فِي التَّقْوَى؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَدْخُلُ كَمَا يَدْخُلُ الصَّغَائِرُ فِي الْوَعِيدِ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَدْخُلُ، وَلَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِ التَّوْبَةِ عَنِ الْكُلِّ، إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَوَقَّ الصَّغَائِرَ هَلْ يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ؟
فَرُوِيَ عَنْهُ ﵇ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ دَرَجَةَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ الْبَأْسُ»
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: أَنَّهُمُ الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللَّهِ الْعُقُوبَةَ فِي تَرْكِ مَا يَمِيلُ الْهَوَى إِلَيْهِ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ مِنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّقْوَى هِيَ الْخَشْيَةُ، قَالَ في أول النساء: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النِّسَاءِ: ١] وَمِثْلُهُ فِي أَوَّلِ الْحَجِّ، وَفِي الشُّعَرَاءِ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ [هُودٍ: ١٠٦] يَعْنِي أَلَا تَخْشَوْنَ اللَّهَ، وَكَذَلِكَ قَالَ هُودٌ وَصَالِحٌ، وَلُوطٌ، وَشُعَيْبٌ لِقَوْمِهِمْ، وَفِي الْعَنْكَبُوتِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ [نُوحٍ: ٣] يَعْنِي اخْشَوْهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آلِ عِمْرَانَ: ١٠٢] وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى [الْبَقَرَةِ: ١٩٧] وَاتَّقُوا يَوْمًا/ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا [الْبَقَرَةِ: ٤٨] وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّقْوَى وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إِلَّا أَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ، وَالْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ مِنْهَا الْإِيمَانُ تَارَةً، وَالتَّوْبَةُ أُخْرَى، وَالطَّاعَةُ ثَالِثَةً، وَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ رَابِعًا: وَالْإِخْلَاصُ خَامِسًا: أَمَّا الْإِيمَانُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى [الْفَتْحِ: ٢٦] أَيِ التَّوْحِيدَ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى [الْحُجُرَاتِ: ٣] وَفِي الشُّعَرَاءِ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ [الشُّعَرَاءِ: ١١] أَيْ أَلَا يُؤْمِنُونَ وَأَمَّا التَّوْبَةُ فَقَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا [الْأَعْرَافِ: ٩٦] أَيْ تَابُوا، وَأَمَّا الطَّاعَةُ فَقَوْلُهُ فِي النَّحْلِ: أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [النَّحْلِ: ٢] وَفِيهِ أَيْضًا: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ [النَّحْلِ: ٥٢] وَفِي الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٢] وَأَمَّا تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ فَقَوْلُهُ: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ [الْبَقَرَةِ: ١٨٩] أَيْ فَلَا تَعْصُوهُ، وَأَمَّا الْإِخْلَاصُ فَقَوْلُهُ فِي الْحَجِّ: فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الْحَجِّ: ٣٢] أَيْ مِنْ إِخْلَاصِ الْقُلُوبِ، فَكَذَا قَوْلُهُ: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ

2 / 267