Mafatih al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Daabacaha
دار إحياء التراث العربي
Daabacaad
الثالثة
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٠ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
Fasiraadda
/ كونها معربة:
الثَّالِثُ: هَذِهِ الْأَسْمَاءُ مُعْرَبَةٌ وَإِنَّمَا سَكَنَتْ سُكُونَ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ حَيْثُ لَا يَمَسُّهَا إِعْرَابٌ لِفَقْدِ مُوجِبِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ سُكُونَهَا وَقْفٌ لَا بِنَاءٌ أَنَّهَا لَوْ بُنِيَتْ لَحُذِيَ بِهَا حَذْوَ كَيْفَ وَأَيْنَ وَهَؤُلَاءِ وَلَمْ يُقَلْ صَادْ قَافْ نون مجموع فيها بين الساكنين.
معاني ألم:
المسألة الثانية: معاني ألم لِلنَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الم وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنَ الْفَوَاتِحِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا عِلْمٌ مَسْتُورٌ وَسِرٌّ مَحْجُوبٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ ﵎ بِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁: لِلَّهِ فِي كُلِّ كِتَابٍ سِرٌّ وَسِرُّهُ فِي الْقُرْآنِ أَوَائِلُ السُّوَرِ،
وَقَالَ عَلِيٌّ ﵁: إِنَّ لِكُلِّ كِتَابٍ صَفْوَةٌ وَصَفْوَةُ هَذَا الْكِتَابِ حُرُوفُ التَّهَجِّي.
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: الْعِلْمُ بِمَنْزِلَةِ الْبَحْرِ فَأُجْرِيَ مِنْهُ وادٍ ثُمَّ أُجْرِيَ مِنَ الْوَادِي نَهْرٌ ثُمَّ أُجْرِيَ مِنَ النَّهْرِ جَدْوَلٌ، ثُمَّ أُجْرِيَ مِنَ الْجَدْوَلِ سَاقِيَةٌ، فَلَوْ أُجْرِيَ إِلَى الْجَدْوَلِ ذَلِكَ الْوَادِي لَغَرَّقَهُ وَأَفْسَدَهُ، وَلَوْ سَالَ الْبَحْرُ إِلَى الْوَادِي لَأَفْسَدَهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها [الرَّعْدِ: ١٧] فَبُحُورُ الْعِلْمِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَعْطَى الرُّسُلَ مِنْهَا أَوْدِيَةً، ثُمَّ أَعْطَتِ الرُّسُلُ مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ أَنْهَارًا إِلَى الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ أَعْطَتِ الْعُلَمَاءُ إِلَى الْعَامَّةِ جَدَاوِلَ صِغَارًا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، ثُمَّ أَجْرَتِ الْعَامَّةُ سَوَاقِيَ إِلَى أَهَالِيهِمْ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ. وَعَلَى هَذَا مَا
رُوِيَ فِي الْخَبَرِ «لِلْعُلَمَاءِ سِرٌّ، وَلِلْخُلَفَاءِ سِرٌّ وَلِلْأَنْبِيَاءِ سِرٌّ، وَلِلْمَلَائِكَةِ سِرٌّ، وَلِلَّهِ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ كُلِّهِ سِرٌّ، فَلَوِ اطَّلَعَ الْجُهَّالُ عَلَى سِرِّ الْعُلَمَاءِ لَأَبَادُوهُمْ، وَلَوِ اطَّلَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى سِرِّ الْخُلَفَاءِ لَنَابَذُوهُمْ، وَلَوِ اطَّلَعَ الْخُلَفَاءُ عَلَى سِرِّ الْأَنْبِيَاءِ لَخَالَفُوهُمْ، وَلَوِ اطَّلَعَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَى سِرِّ الْمَلَائِكَةِ لَاتَّهَمُوهُمْ، وَلَوِ اطَّلَعَ الْمَلَائِكَةُ عَلَى سِرِّ اللَّهِ تَعَالَى لَطَاحُوا حَائِرِينَ، وَبَادُوا بَائِرِينَ
وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعُقُولَ الضَّعِيفَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْأَسْرَارَ الْقَوِيَّةَ، كَمَا لَا يَحْتَمِلُ نُورَ الشَّمْسِ أَبْصَارُ الْخَفَافِيشِ، فَلَمَّا زِيدَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي عُقُولِهِمْ قَدَرُوا عَلَى احْتِمَالِ أَسْرَارِ النُّبُوَّةِ، وَلَمَّا زِيدَتِ الْعُلَمَاءُ فِي عُقُولِهِمْ قَدَرُوا عَلَى احْتِمَالِ أَسْرَارِ مَا عَجَزَتِ الْعَامَّةُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ عُلَمَاءُ الْبَاطِنِ، وَهُمُ الْحُكَمَاءُ زِيدَ فِي عُقُولِهِمْ فَقَدَرُوا عَلَى احْتِمَالِ مَا عَجَزَتْ عَنْهُ عُلَمَاءُ الظَّاهِرِ. وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ فَقَالَ: سِرُّ اللَّهِ فَلَا تَطْلُبُوهُ، وَرَوَى أَبُو ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَجَزَتِ الْعُلَمَاءُ عَنْ إِدْرَاكِهَا، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: هُوَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنْكَرُوا هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالُوا لَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَكُونُ مَفْهُومًا لِلْخَلْقِ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِالْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ وَالْمَعْقُولِ.
حجج المتكلمين بالآيات:
أَمَّا الْآيَاتُ فَأَرْبَعَةَ عَشَرَ. أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [مُحَمَّدٍ: ٢٤] أَمَرَهُمْ بِالتَّدَبُّرِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَفْهُومٍ فَكَيْفَ يَأْمُرُهُمْ بِالتَّدَبُّرِ فِيهِ وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النِّسَاءِ: ٨٢] فَكَيْفَ يَأْمُرُهُمْ بِالتَّدَبُّرِ فِيهِ لِمَعْرِفَةِ نَفْيِ التَّنَاقُضِ وَالِاخْتِلَافِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ لِلْخَلْقِ وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشُّعَرَاءِ: ١٩٢- ١٩٥] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَفْهُومًا بَطَلَ كَوْنُ الرَّسُولِ ﷺ
2 / 250