Mafatih al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Daabacaha
دار إحياء التراث العربي
Daabacaad
الثالثة
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٠ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
Fasiraadda
وقومه وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ [البقرة: ٦٣] وَغَرَّقَ الدُّنْيَا مِنَ التَّنُّورِ الْيَابِسَةِ لِقَوْلِهِ: وَفارَ التَّنُّورُ [هُودٍ: ٤٠] وَجَعَلَ الْبَحْرَ يَبَسًا لِمُوسَى ﵇، فَمَنْ كَانَتْ قُدْرَتُهُ هَكَذَا كَيْفَ يُسَوَّى فِي الْعِبَادَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْجَمَادَاتِ أَوِ النَّبَاتِ أَوِ الْحَيَوَانِ أَوِ الْإِنْسَانِ أَوِ الْفَلَكِ أَوِ الْمَلِكِ، فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ النَّاقِصِ وَالْكَامِلِ وَالْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ تَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ وَالسَّفَهِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَوْلُهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ الْمَحْضِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ طَوَائِفُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَنِ اتَّخَذَ شَرِيكًا لِلَّهِ فَذَلِكَ الشَّرِيكُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ جِسْمًا وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ، أَمَّا الَّذِينَ اتَّخَذُوا شَرِيكًا جُسْمَانِيًّا فَذَلِكَ الشَّرِيكُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَجْسَامِ السُّفْلِيَّةِ أَوْ مِنَ الْأَجْسَامِ الْعُلْوِيَّةِ، أَمَّا الَّذِينَ اتَّخَذُوا الشُّرَكَاءَ مِنَ الْأَجْسَامِ السُّفْلِيَّةِ فَذَلِكَ الْجِسْمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا أَوْ بَسِيطًا، أَمَّا الْمُرَكَّبُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَعَادِنِ أَوْ مِنَ النَّبَاتِ أَوْ مِنَ الْحَيَوَانِ أَوْ مِنَ الْإِنْسَانِ، أَمَّا الَّذِينَ اتَّخَذُوا الشُّرَكَاءَ مِنَ الْأَجْسَامِ الْمَعْدِنِيَّةِ فَهُمُ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْأَصْنَامَ إِمَّا مِنَ الْأَحْجَارِ أَوْ مِنَ الذَّهَبِ أَوْ مِنَ الْفِضَّةِ وَيَعْبُدُونَهَا، وَأَمَّا الَّذِينَ/ اتَّخَذُوا الشُّرَكَاءَ مِنَ الْأَجْسَامِ النَّبَاتِيَّةِ فَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا شَجَرَةً مُعَيَّنَةً مَعْبُودًا لِأَنْفُسِهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ اتَّخَذُوا الشُّرَكَاءَ مِنَ الْحَيَوَانِ فَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مَعْبُودًا لِأَنْفُسِهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ اتَّخَذُوا الشُّرَكَاءَ مِنَ النَّاسِ فَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ اتَّخَذُوا الشُّرَكَاءَ مِنَ الْأَجْسَامِ الْبَسِيطَةِ فَهُمُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ النَّارَ وَهُمُ الْمَجُوسُ، وَأَمَّا الَّذِينَ اتَّخَذُوا الشُّرَكَاءَ مِنَ الْأَجْسَامِ الْعُلْوِيَّةِ فَهُمُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَسَائِرَ الْكَوَاكِبِ وَيُضِيفُونَ السَّعَادَةَ وَالنُّحُوسَةَ إِلَيْهَا وَهُمُ الصَّابِئَةُ وَأَكْثَرُ الْمُنَجِّمِينَ، وَأَمَّا الَّذِينَ اتَّخَذُوا الشُّرَكَاءَ لِلَّهِ مِنْ غَيْرِ الْأَجْسَامِ فَهُمْ أَيْضًا طَوَائِفُ: الطَّائِفَةُ الْأُولَى: الَّذِينَ قَالُوا مُدَبِّرُ الْعَالَمِ هُوَ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمَانَوِيَّةُ وَالثَّنَوِيَّةُ. وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: هُمُ الَّذِينَ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَرْوَاحِ الْفَلَكِيَّةِ وَلِكُلِّ إِقْلِيمٍ رُوحٌ مُعَيَّنٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ الْفَلَكِيَّةِ يُدَبِّرُهُ وَلِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ هَذَا الْعَالَمِ رُوحٌ فَلَكِيٌّ يُدَبِّرُهُ وَيَتَّخِذُونَ لِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ صُوَرًا وتماثيل ويعبدونها وهؤلاء هم عَبَدَةُ الْمَلَائِكَةِ، وَالطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ: الَّذِينَ قَالُوا لِلْعَالَمِ إلهان: أحدهما: خير، والآخر شرير، وَقَالُوا: مُدَبِّرُ هَذَا الْعَالَمِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِبْلِيسُ، وَهُمَا أَخَوَانِ، فَكُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ مِنَ الْخَيْرَاتِ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ.
إِذَا عرفت هذه التفاصيل فنقول: كل ما اتَّخَذَ لِلَّهِ شَرِيكًا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى عِبَادَةِ ذَلِكَ الشَّرِيكِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، إِمَّا طَلَبًا لِنَفْعِهِ أَوْ هَرَبًا مِنْ ضَرَرِهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ أَصَرُّوا عَلَى التَّوْحِيدِ وَأَبْطَلُوا الْقَوْلَ بِالشُّرَكَاءِ وَالْأَضْدَادِ وَلَمْ يَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى غَيْرِ اللَّهِ فَكَانَ رَجَاؤُهُمْ مِنَ اللَّهِ وَخَوْفُهُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَغْبَتُهُمْ فِي اللَّهِ وَرَهْبَتُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وَلَمْ يَسْتَعِينُوا إِلَّا بِاللَّهِ، فَلِهَذَا قَالُوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فَكَانَ قَوْلُهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَائِمًا مُقَامَ قَوْلِهِ: لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الذِّكْرَ الْمَشْهُورَ هُوَ أَنْ تَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ يَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى قَوْلِنَا سبحان الله لأن قوله سبحانه اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَامِلًا تَامًّا فِي ذَاتِهِ، وَقَوْلَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُكَمِّلًا مُتَمِّمًا لِغَيْرِهِ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ مُكَمِّلًا مُتَمِّمًا لِغَيْرِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ تَامًّا كَامِلًا فِي ذَاتِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ دَخَلَ فِيهِ مَعْنَى قَوْلِنَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَلَمَّا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَأَثْبَتَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحَمْدِ ذَكَرَ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْعِلَّةِ لِإِثْبَاتِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَمْدِ لِلَّهِ، فَوَصَفَهُ بِالصِّفَاتِ
1 / 210