174

Mafatih al-Ghayb

مفاتيح الغيب

Daabacaha

دار إحياء التراث العربي

Lambarka Daabacaadda

الثالثة

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٠ هـ

Goobta Daabacaadda

بيروت

Noocyada

Fasiraadda
الفائدة الثامنة: [قول النبي ص في فضيلة التحميد]
عَنِ النَّبِيِّ ﵊، أَنَّهُ قَالَ إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَةً فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي أَعْطَيْتُهُ مَا لَا قَدْرَ لَهُ فَأَعْطَانِي مَا لَا قِيمَةَ لَهُ»،
وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى الْعَبْدِ كَانَ ذَلِكَ الْإِنْعَامُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الْمُعْتَادَةِ مِثْلَ أَنَّهُ كَانَ جَائِعًا فَأَطْعَمَهُ، أَوْ كَانَ عَطْشَانًا فَأَرْوَاهُ، أَوْ كَانَ عُرْيَانًا فَكَسَاهُ، أَمَّا إِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ حَمْدٍ أَتَى بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْحَامِدِينَ فَهُوَ لِلَّهِ، وَكُلَّ حَمْدٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْحَامِدِينَ وَأَمْكَنَ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ لِلَّهِ، وَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْمَحَامِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَلَائِكَةُ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَسَاكِنُو أطباق السموات وَجَمِيعُ الْمَحَامِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَجَمِيعُ الْمَحَامِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا جَمِيعُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَجَمِيعُ الْخَلْقِ وَجَمِيعُ الْمَحَامِدِ الَّتِي سَيَذْكُرُونَهَا إِلَى وَقْتِ قَوْلِهِمْ: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يُونُسَ: ١٠] ثُمَّ جَمِيعُ هَذِهِ الْمَحَامِدِ مُتَنَاهِيَةٌ، وَأَمَّا الْمَحَامِدُ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا هِيَ الَّتِي سَيَأْتُونَ بِهَا أَبَدَ الْآبَادِ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ، فَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِ الْعَبْدِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ تَعَالَى: «انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي قَدْ أَعْطَيْتُهُ نِعْمَةً وَاحِدَةً لَا قَدْرَ لَهَا فَأَعْطَانِي مِنَ الشُّكْرِ مَا لَا حَدَّ لَهُ وَلَا نِهَايَةَ لَهُ» .
أَقُولُ: هَاهُنَا دَقِيقَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا مُتَنَاهِيَةٌ، وَقَوْلَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدٌ غَيْرُ مُتَنَاهٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَنَاهِي إِذَا سَقَطَ مِنْهُ الْمُتَنَاهِي بَقِيَ الْبَاقِي غَيْرَ مُتَنَاهٍ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: عَبْدِي، إِذَا قُلْتَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فِي مُقَابَلَةِ تِلْكَ النِّعْمَةِ فَالَّذِي بَقِيَ لَكَ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَاعَاتٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُقَابَلَتِهَا بِنِعْمَةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ، فَلِهَذَا السَّبَبِ يَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ الثَّوَابَ الْأَبَدِيَّ والخير السرمدي، فثبت أن قول العبد الحمد لِلَّهِ يُوجِبُ سَعَادَاتٍ لَا آخِرَ لَهَا وَخَيْرَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: لَا شَكَّ أَنَّ الْوُجُودَ خَيْرٌ مِنَ الْعَدَمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ حَيٌّ فَإِنَّهُ يَكْرَهُ عَدَمَ نَفْسِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْوُجُودَ خَيْرٌ مِنَ الْعَدَمِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ حَصَلَ بِإِيجَادِ اللَّهِ وَجُودِهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْوُجُودَ نِعْمَةٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا مَوْجُودَ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ وَالْعُلْوِيَّاتِ وَالسُّفْلِيَّاتِ إِلَّا وَلِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَإِحْسَانٌ، وَالنِّعْمَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالْإِحْسَانُ مُوجِبَةٌ لِلْحَمْدِ وَالشُّكْرِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَلَيْسَ مُرَادُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى النِّعَمِ الْوَاصِلَةِ إِلَيَّ بَلِ الْمُرَادُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى النِّعَمِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ وقد بينا أن إنعامه/ واصل إلى ما كل سِوَاهُ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَانَ مَعْنَاهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِنْعَامِهِ عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ وَعَلَى كُلِّ مُحْدَثٍ أَحْدَثَهُ مِنْ نُورٍ وَظُلْمَةٍ وَسُكُونٍ وَحَرَكَةٍ وَعَرْشٍ وَكُرْسِيٍّ وَجِنِّيٍّ وَإِنْسِيٍّ وَذَاتٍ وَصِفَةٍ وَجِسْمٍ وَعَرَضٍ إِلَى أَبَدِ الْآبَادِ وَدَهْرِ الدَّاهِرِينَ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهَا بِأَسْرِهَا حَقُّكَ وَمِلْكُكَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَعَكَ فِيهَا شَرِكَةٌ وَمُنَازَعَةٌ.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: التَّسْبِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّحْمِيدِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَمَا السَّبَبُ هَاهُنَا فِي وُقُوعِ الْبِدَايَةِ بِالتَّحْمِيدِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّحْمِيدَ يَدُلُّ عَلَى التَّسْبِيحِ دَلَالَةَ التَّضَمُّنِ، فَإِنَّ التَّسْبِيحَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُبَرَّأٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ، وَالتَّحْمِيدُ يَدُلُّ مَعَ حُصُولِ تِلْكَ الصِّفَةِ عَلَى كَوْنِهِ مُحْسِنًا إِلَى الْخَلْقِ مُنْعِمًا عَلَيْهِمْ رَحِيمًا بِهِمْ، فَالتَّسْبِيحُ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِ تَعَالَى تَامًّا وَالتَّحْمِيدُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى فَوْقَ التَّمَامِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالتَّحْمِيدِ أَوْلَى، وَهَذَا الْوَجْهُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْقَوَانِينِ الْحِكَمِيَّةِ، وَأَمَّا الوجه اللائق

1 / 194