Mafatih al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Daabacaha
دار إحياء التراث العربي
Lambarka Daabacaadda
الثالثة
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٠ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
Fasiraadda
الرَّسُولُ، وَالَّتِي أَتَى بِهَا الرَّسُولُ ﵊ هِيَ الصَّلَاةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْفَاتِحَةِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: أَقِيمُوا الصَّلاةَ أَمْرًا بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَكَرَّرَتْ فِي الْقُرْآنِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا قَاطِعًا عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَاظَبُوا عَلَى قِرَاءَتِهَا طُولَ عُمْرِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا
رُوِيَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄ كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْنَا ذَلِكَ
لِقَوْلِهِ ﵊: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الراشدين من بَعْدِي»،
وَلِقَوْلِهِ ﵊: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»،
وَالْعَجَبُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَنَّهُ تَمَسَّكَ فِي مَسْأَلَةِ/ طَلَاقِ الْفَارِّ بِأَثَرِ عُثْمَانَ مَعَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَا يُخَالِفَانِهِ وَنَصُّ الْقُرْآنِ أَيْضًا يُوجِبُ عَدَمَ الْإِرْثِ، فَلِمَ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِعَمَلِ كُلِّ الصَّحَابَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِطْبَاقِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى وَفْقِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ وَالْمَعْقُولِ؟.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الْأُمَّةَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا لَكِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الْعَمَلِ، فَإِنَّكَ لَا تَرَى أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلَّا وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ مَنْ صَلَّى وَلَمْ يَقْرَأِ الْفَاتِحَةَ كَانَ تَارِكًا سَبِيلَ المؤمنين فيدخل تحت قوله: وَمَنْ ... يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيرًا [النِّسَاءِ: ١١٥] فَإِنْ قَالُوا إِنَّ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِرَاءَتُهَا قَرَءُوهَا لَا عَلَى اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ، بَلْ عَلَى اعْتِقَادِ النَّدْبِيَّةِ فَلَمْ يَحْصُلِ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَتِهَا، فَنَقُولُ: أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ غَيْرُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا إِطْبَاقَ الْكُلِّ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْقِرَاءَةِ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِالْقِرَاءَةِ كَانَ تَارِكًا طَرِيقَةَ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذَا الْعَمَلِ، فَدَخَلَ تَحْتَ الْوَعِيدِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِينَا فِي الدَّلِيلِ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا فِي تَقْرِيرِ هَذَا الدَّلِيلِ إِلَى ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ فِي اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ
أَنَّهُ ﷾ قَالَ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ»، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ،
وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى كُلِّ صَلَاةٍ بِكَوْنِهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ هَذَا التَّنْصِيفَ لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بِسَبَبِ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَنَقُولُ: الصَّلَاةُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ هَذَا التَّنْصِيفِ، وَهَذَا التَّنْصِيفُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِسَبَبِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَلَازِمُ اللَّازِمِ لَازِمٌ، فَوَجَبَ كَوْنُ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ لَوَازِمِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا اللُّزُومُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا قُلْنَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ.
الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ:
قَوْلُهُ ﵊: لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ،
قَالُوا: حَرْفُ النَّفْيِ دَخَلَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِهِ إِلَى حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ صَرْفُهُ إِلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إِلَى الْكَمَالِ، وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ جَاءَ
فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ،
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَالنَّفْيُ مَا دَخَلَ عَلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَى حُصُولِهَا لِلرَّجُلِ، وَحُصُولُهَا لِلرَّجُلِ عِبَارَةٌ عَنِ انْتِفَاعِهِ بها، وخروجه عن عهدة للتكليف بِسَبَبِهَا، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إِجْرَاءُ النَّفْيِ عَلَى ظَاهِرِهِ، الثَّانِي: مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ فَعِنْدَ عَدَمِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لَا تُوجَدُ مَاهِيَّةُ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ يَمْتَنِعُ حُصُولُهَا حَالَ عَدَمِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا/ فَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِدْخَالُ حَرْفِ
1 / 169