Mafatih al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Daabacaha
دار إحياء التراث العربي
Lambarka Daabacaadda
الثالثة
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٠ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
Fasiraadda
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ أَقْسَامَ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَسَبِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَلَا جَرَمَ يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ لِلَّهِ تَعَالَى أَسْمَاءٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ بِحَسَبِ هَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَإِذَا عرفت هذا فنقول: هاهنا دَقَائِقُ لَا بُدَّ مِنْهَا: فَالدَّقِيقَةُ الْأُولَى: أَنَّ مُقَابِلَ الشَّيْءِ تَارَةً يَكُونُ ضِدَّهُ وَتَارَةً يَكُونُ عَدَمَهُ، فَقَوْلُنَا: «الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ» وَقَوْلُنَا: «الْمُحْيِي الْمُمِيتُ» يَتَقَابَلَانِ تَقَابُلَ الضِّدَّيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُنَا: «الْقَابِضُ الْبَاسِطُ، الْخَافِضُ الرَّافِعُ» فَيَقْرُبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَقَابُلُهُمَا تَقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْوُجُودِ، لِأَنَّ الْقَبْضَ عِبَارَةٌ عَنْ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ الْمَالَ الْكَثِيرَ، وَالْخَفْضَ عِبَارَةٌ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ الْجَاهَ الْكَبِيرَ، أَمَّا الْإِعْزَازُ وَالْإِذْلَالُ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ، لِأَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ لَا يُعِزَّهُ وَبَيْنَ أَنْ يُذِلَّهُ وَالدَّقِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ الْأَلْفَاظُ تَقْرُبُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَرَادِفَةً وَلَكِنَّ التَّأَمُّلَ التَّامَّ يَدُلُّ عَلَى الفرق اللطيف، وله أمثلة: المثال الأول: الرءوف الرَّحِيمُ، يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْبَابِ إِلَّا أَنَّ الرءوف أَمْيَلُ إِلَى جَانِبِ إِيصَالِ النَّفْعِ، وَالرَّحِيمَ أَمْيَلُ إِلَى جَانِبِ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْمِثَالُ الثَّانِي: الْفَاتِحُ، وَالْفَتَّاحُ، وَالنَّافِعُ وَالنَّفَّاعُ، وَالْوَاهِبُ وَالْوَهَّابُ، فَالْفَاتِحُ يُشْعِرُ بِإِحْدَاثِ سَبَبِ الْخَيْرِ، / وَالْوَاهِبُ يُشْعِرُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْخَيْرِ إِلَيْهِ، وَالنَّافِعُ يُشْعِرُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ النَّفْعِ إِلَيْهِ بِقَصْدِ أَنْ يَنْتَفِعَ ذَلِكَ الشَّخْصُ بِهِ، وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى هَذَا الْقَانُونِ الْمُعْتَبَرِ فِي هَذَا الْبَابِ أَمْكَنَكَ الْوُقُوفُ عَلَى حَقَائِقِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْأَسْمَاءِ.
الْبَابُ السَّادِسُ فِي الْأَسْمَاءِ الْوَاقِعَةِ بِحَسَبِ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَمْلُوءٌ مِنْهُ، وَطَرِيقُ الضَّبْطِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ السَّلْبُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الذَّاتِ، أَوْ إِلَى الصِّفَاتِ، أَوْ إِلَى الْأَفْعَالِ، أَمَّا السُّلُوبُ الْعَائِدَةُ إِلَى الذَّاتِ فَهِيَ قَوْلُنَا إِنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَذَا وَلَا كَذَا، كَقَوْلِنَا: إِنَّهُ لَيْسَ جَوْهَرًا وَلَا جِسْمًا وَلَا فِي الْمَكَانِ وَلَا فِي الْحَيِّزِ وَلَا حَالًّا وَلَا مُحِلًّا، وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ ذَاتَهُ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ لِعَيْنِ ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، لَكِنَّ أَنْوَاعَ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ الْمُغَايِرَةِ لِذَاتِهِ غير متناهية، فلا جرم يحصل هاهنا سُلُوبٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ [مُحَمَّدٍ: ٣٨] وَقَوْلُهُ: وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ [الْأَنْعَامِ: ١٣٣] لِأَنَّ كَوْنَهُ غَنِيًّا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ السَّلْبِيَّةِ إِلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ، وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الصمد: ٣] وَأَمَّا السُّلُوبُ الْعَائِدَةُ إِلَى الصِّفَاتِ فَكُلُّ صِفَةٍ تَكُونُ مِنْ صِفَاتِ النَّقَائِصِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهَا، فَمِنْهَا مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ أَضْدَادِ الْعِلْمِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ أَضْدَادِ الْقُدْرَةِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ أَضْدَادِ الِاسْتِغْنَاءِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ أَضْدَادِ الْوَحْدَةِ: وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ أَضْدَادِ الْعِلْمِ فَأَقْسَامٌ، أَحَدُهَا: نَفْيُ النَّوْمِ، قَالَ تَعَالَى: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٥] وَثَانِيهَا: نَفْيُ النِّسْيَانِ، قَالَ تَعَالَى: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مَرْيَمَ: ٦٤] وَثَالِثُهَا: نَفْيُ الْجَهْلِ قَالَ تَعَالَى: لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [سَبَأٍ: ٣] وَرَابِعُهَا: أَنَّ عِلْمَهُ بِبَعْضِ الْمَعْلُومَاتِ لَا يَمْنَعُهُ عَنِ الْعِلْمِ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، وَأَمَّا السُّلُوبُ الْعَائِدَةُ إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ فَأَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُنَزَّهٌ فِي أَفْعَالِهِ عَنِ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ قَالَ تَعَالَى: وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [ق: ٣٨] وثانيها:
أنه لَا يَحْتَاجَ فِي فِعْلِهِ إِلَى الْآلَاتِ وَالْأَدَوَاتِ وَتَقَدُّمِ الْمَادَّةِ وَالْمُدَّةِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ
1 / 128