كل هذا معروف مشهور، يستطيع القارئ إذا شاء أن يجده في أي كتاب من كتب تاريخ الفلسفة الكثيرة، ولكن ما نريد أن نتحدث عنه اليوم شيء آخر غريب وجديد وفريد، ربما لم يكن له دور يذكر في تأثير أفلوطين على العصور التالية، وربما لم يكن من المستطاع أن يكتب له مثل هذا الدور، فما هو هذا «الشيء» الجديد؟
يقول عنه أفلوطين:
3 «أما ما هو الواحد الحقيقي الخالص الذي لا يتعلق بشيء آخر سواه، فهو ما نريد الآن أن نراه، إن كان ذلك ممكنا على أي نحو من الأنحاء.»
فما هو هذا الواحد؟
ربما كان السؤال على هذه الصورة ساذجا أو مجانبا للصواب؛ فهو يسأل عن «ما» هو الواحد، بينما يجوز أن يكون الواحد مما لا يقال عنه «ما»، ولكننا سنتركه كذلك إلى حين.
يصل أفلوطين من الناحية الفلسفية الديالكتيكية إلى فكرته عن الواحد في معرض سؤاله عن الأصل.
4
والسؤال عن الأصل أو المبدأ ليس سؤالا أفلوطينيا خالصا؛ ذلك أنه قديم قدم الفلسفة نفسها، بل إن في استطاعتنا أن نقول : إنه السؤال الأول لكل متفلسف، لقد حرك الفلسفة اليونانية منذ نشأتها الأولى، ويكفي أن نتذكر أن الفلاسفة الطبيعيين قبل سقراط (طاليس وأنكسمندر وأنكسمانس) قد فرقوا تفريقا حاسما بين الأصل وبين ما يصدر عنه من أشياء، أي أنهم رأوا أن الموجود أو الشيء يصدر عما لا يتصف بمحدودية الشيء والموجود، تشهد بذلك عبارة أنكسمندر المشهورة: «أصل الموجودات هو اللامحدود.»
5
وتتصل هذه التفرقة بين الأصل وبين ما يصدر عنه من موجودات في الفلسفة اليونانية من بعد وبخاصة عند أفلاطون، بينما نجد تلميذه العظيم أرسططاليس يحاول أن يغير من هذه التفرقة ويمهد لضياع ملامحها.
Bog aan la aqoon