وفي تلك الأثناء عاج فؤاد باشا بزحلة واجتمع بأعيانها، وطاف أحياءها وخاطب السكان برقة وشفقة وجبر خواطرهم ووعدهم بالتعويض، وحضهم على ترميم بيوتهم وأمنهم وأمر إذ ذاك. أن تسمى زحلة «مدينة» فأطلق عليها هذا اللقب منذ ذلك الحين.
وكان إبراهيم أبو راجي المعلوف ترجمان فرقة الجنرال ديكرو من العسكر الفرنسي وكان عددها ثلاثة آلاف، فسار معهم إلى دير القمر ودفنوا القتلى، وحصل كثير من الزحليين على تعويضات ومسلوبات بواسطته.
فما قدم الشتاء حتى كان الزحليون قد رمموا بعض بيوتهم ملتجئين إليها من صبارة البرد ، وكانت الثلوج في تلك السنة كثيرة والبرد قارصا، ومما يذكر أن أبا حسون الزرزور وزوجته وأولاده الستة قتلوا تحت أنقاض بيت هدم عليهم فلم يسلم منهم أحد.
ولما رمم المطران متوديوس صليبا الأرثوذكسي كنيسة القديس نيقولاوس عقدا (قبوا) على جدرانها القديمة هدمت، ثم أعاد تجديدها وتوسيعها بعد بضع سنوات بمساعدات روسية وإحسانات سكان الإسكندرية التي ذهب إليها بنفسه وجمعها منها.
وكان الآباء اليسوعيون قد سكنوا ديرهم الحقير في المعلقة واستأجروا أبنية صغيرة قربه للمدارس وأتموا تشييد الميتم (الذي هو الآن دار حكومة البقاع) قرب موقف القطار (الحديدي)، وبعد سنتين جددوا عمار ديرهم ومدارسهم في زحلة. وقد جمعوا في ميتم المعلقة كثيرا من الأيتام المنكوبين واعتنوا بهم اعتناء مذكورا.
56
وكان نابليون الثالث ملك فرنسة قد فاوض السلطان عبد المجيد العثماني بشأن القتلى من الرهبان اليسوعيين في دير زحلة كما مر، فأمر السلطان فؤاد باشا أن يعطيهم تعويضات، فسلمهم أرض تعنايل وكساره في جوار زحلة، وكانت أكثر أرضها مستنقعات؛ فبنوا ميتم تعنايل ونقلوا إليه الأيتام من المعلقة، وأصبحت تلك الأرض بعنايتهم جنات خصيبة. ومن أهم مستنبتاتها الجفنة الأفرنجية التي يباع معظم خمرها في ألمانية وغيرها والفواكه البديعة، وفي هذا الميتم الآن نحو خمسين يتعلمون اللغتين العربية والفرنسية ويمارسون الأعمال اليدوية من صناعة وزراعة.
وكانت الدار الأسقفية الكاثوليكية قد احترقت وفقدت كنيستها جمالها وزينتها، التي كان معظمها قد أحضر من النمسة بسعي الخوري فيلبس نمير والخوري موسى مقحط اللذين ذكرنا سفرهما إليها، فرممت. ويوم الثلاثاء في 29 نيسان سنة 1861 وصلت صورة سيدة النجاة من النمسة عوض التي احترقت. ويوم الأربعاء في 31 تموز سنة 1861 نقل المطران باسيليوس من دير النبي إلياس الطوق، حيث كان مقيما مدة الترميم إلى داره الجديدة. وكان قد أصدر منشورا بتاريخ الخميس في 27 أيلول سنة 1860 إلى رعيته ليؤرخوا بالحساب الغريغوري (الغربي) فشاع منذ ذلك الحين عند جميع الروم الكاثوليك. وهكذا عادت زحلة في أثناء سنة إلى سابق رونقها مستعيدة حركتها التجارية شيئا فشيئا.
ويوم الجمعة في 31 أيار سنة 1861 ترك العسكر الفرنسي زحلة قاصدا بيروت ومنها عاد إلى بلاده.
وفي 17 تشرين الثاني سنة 1860 كان فؤاد باشا قد نصب يوسف بك كرم قائم مقام النصارى عوض الأمير بشير أحمد إلى غير ذلك.
Bog aan la aqoon