Magaalada Fadliga
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Noocyada
ما أعذب أن نحلم أننا سنلتقي في الحياة الأخرى بالحكماء الفضلاء الذين خدموا الإنسانية وأحسنوا إليها، ثم دخلوا في الملكوت الأعلى! فطوبى لهم بالصالحات التي عملوا، والتاريخ يهيئ لنا في حياتنا هذه مشاهد من نوع هذا الحلم العذب، نلتقي فيها بذوي العدالة والاستقامة رأيا وفعلا ممن كانوا فخر الإنسانية في عصور شتى، ففي مشهد منها ألتقي بأفلاطون، وفي آخر أسمع سقراط يحاور أصدقاءه، وأحضر اجتماعه الأخير حينما حانت ساعة الموت.
وكأني بماركس أورليوس حين يناجي قلبه يناجيني أنا أيضا، والعبد أبيكتوتوس يأمر فينفذ أمره أكثر مما تنفذ أوامر الملوك، وألتقي أيضا بشيشرون وألاحظ حيرته، وبالسيئ الحظ بوتيوس
27
وأنصت لحديثهما وهما يقصان علي ما لقيا من حزن وما وجدا من سلوان.
إن معنى الحياة ومصيرها تتعدد مسائلهما وتختلف، ولكنها مهما تعددت ومهما اختلفت، فإن منتهى ما نبذل من جهد في الفهم والإدراك والتذوق هو هذه الحقيقة (على العقل والاستقامة تتوقف ماهية النوع الإنساني، وغايته ومصيره) وليس للتاريخ من غرض أشرف من هذا؛ إنه يأخذ بيدنا - إن جاز التعبير - ويقودنا إلى حيث يبرم المصير، ويرشدنا السبيل إلى التزام قوانين الطبيعة الأزلية، وبينما هو يدلنا على عيوب مخالفة العقل وسوء نتائجها، فهو يدلنا أيضا على مكانتنا في هذا الكون العظيم، حيث العقل والخير في صراع أبدا مع عوامل الفوضى، ولكنهما بمقتضى طبيعتهما يولدان النظام ويسيران قدما نحو النصر.
28
هذه على لسان هردر
29
هي «دعوة» الفلاسفة الفضلاء في كل مكان وزمان للاتحاد في وجه الشر ومحالفة العقل، وللفضلاء بلا شك ثواب الآخرة، ولهم أيضا حسن الذكر عند الخلف.
ولعل ديدرو كان أكثر الفلاسفة تفكيرا في أمر العلاقة بين السلف والخلف، والواقع أنه ما من مسألة شغلت القرن الثامن عشر إلا وكان لها نصيب من اهتمام ديدرو، فتقابلت في فكره على هذا النحو جميع تيارات العصر العقلية، ولكنها لم تتحد في تيار واحد، بل أخذ كل منها سبيله، ونقرأ في سيرة ديدرو أنه ذات مساء في عام 1765 اجتمع بصديقه فالكونيه في ركن من الغرفة بجانب الموقدة في المنزل بشارع تاران، ودار الحديث بينهما طويلا فيما إذا كان الاعتداد برأي الخلف يحفز الناس حتما إلى القيام بالأعمال العظيمة وإلى الاضطلاع بالمهام الجسيمة.
Bog aan la aqoon