Magaalada Fadliga
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Noocyada
5
ولم يخش «المسعورون» العواقب، بل ساروا وراء منطق مذهبهم أينما ساقهم واقتضتهم الرجولة أو الاختيال ألا يذروا معبودهم العقل بعد أن انتفعوا به خير انتفاع، لقد أخرجهم من ظلمات الخرافة إلى نور الحقيقة، وأسدى إليهم بهذا يدا يشكرونها، ومهما شكروا فلن يكونوا في الشكر مسرفين، أفينبغي لهم بعد هذا أن يعرضوا عنه، لا لسبب سوى أنه أطلعهم على عالم ناقص لم يقهر بعد، ولم تعين تقاسيمه ولم تنتظمه في جملته صورة، وإن كان النور قد غمر جميع جنباته؟ كلا! سيتبعون العقل حتى النهاية، سيتبعونه، ولو تبينوا أنه ليس إلها يعبد، بل ما هو إلا عقلهم، وسوف يدخلون تحت رايته عالما غير مأنوس، لا يدل مظهره على أنه خير أو شر، بل يحمل معاني الخير والشر، وهو قابل لأن يكون خيرا لو عرف الإنسان كيف يسخره بجهوده وحده لمنافعه، وقابل لأن يكون شرا لو قصر في ذلك.
وهنا نتساءل: هؤلاء الملحدون، ألم تقرأ كتبهم؟ ألم يكن لهم أثر في القارئين؟ بلى لقد قرأ الجميع مؤلفاتهم - أو بعبارة أدق سمعوا الناس يتهامسون في مذاهبهم، وماذا كان الأثر؟ كان أن ملئ السامعون والقارئون رعبا، وينبغي ألا ننسى أن الملحدين كانوا بمعزل عن الجماعة، وأن الناس اعتزلوهم وأعرضوا عنهم مستنكرين، وكأنما كانت تقام تحت ستر الظلام في دار هولباك سوق للكفر والفسوق، وبلغ من هذا أن كثيرا ممن كانوا يحضرون ولائمه المشهورة - ومنهم بعض الفلاسفة - كانوا ينصرفون منها كما ينصرف مستخفيا مستخزيا من أقدم على لقاء قوم مسرفين، لا يزعهم وازع من خلق ودين، وإن شئنا شاهدا على تأثير الملحدين، فلنحاول أن نتصور - إن تيسر ذلك - ما استولى على قلب جيتة في شبابه من استيحاش، عندما قرأ كتاب هولباك «نسق الطبيعة»،
6
وتحدث فيه إلى إخوانه الطلاب، والكتاب - كما نعرف - خرج عن كل الحدود، وقد أسرف فيه هولباك أيما إسراف، فأنكر وجود الله وخلود النفس، ويقول جيتة إنه وإخوانه الطلاب استغربوا ما ذهب إليه الناس من أن الكتاب يفضي إلى فساد العقيدة، استغربوا هذا؛ لأن الكتاب لم يستدرجهم ولم يستهوهم، بل - على الضد - ودوا لو أن بينه وبينهم أمدا بعيدا، قال: «وجدناه شيئا أغبر لا ينفذ فيه نور ما، كليالي أمة الكمري لا تطلع عليهم الشمس أبدا، بل وجدناه أشبه بجثة أخرجت من قبرها، فكدنا ألا نطيقه في أيدينا وأخذت فرائصنا ترتعد لرؤيته، كأن زائرا طرقنا من عالم الأشباح.»
7
هكذا كان تأثير كتب الملحدين، جعلت فرائص الناس ترتعد، ولكن هل كان الفلاسفة بدعا فيما فعلوه؟ إن كانوا قد تبعوا العقل، فالعقل لم يكن معبودهم وحدهم، بل كان أيضا معبود الفلاسفة جميعا - فيما عدا روسو إن جاز استثناؤه، وقد وصف مورلي كتاب هولباك فقال: «إن الكتاب لفت نظر الناس إلى إصبع معبودهم العقل يخط على الجدار أحكاما قضى بها، قرءوها (كما قرأ سنحاريب في حلمه المشهور ما قضت به الآلهة في شأنه)، قرءوها ويا لهول ما قرءوا! قرءوا أن لا إله، وأن الكون ليس إلا مادة تتحرك من تلقاء نفسها، وأن ما يسميه الإنسان نفسه - وهذا أشنع ما قرءوا - تموت بموت الجسد، كما يموت النغم حين ينكسر العود.»
8
نعت مورلي الأحكام - كما رأيت - بأنها تبعث الهول، وهي قد فعلت ذلك بلا شك - في قلوب الكافة، ولكن الفلاسفة رفضوا أن يسلموا بما قرءوا على الجدار، ولم يخرج على إجماعهم هذا إلا القليل الذي لا يعتد به.
تظاهروا بأنهم لم يقرءوا ما هو مكتوب، أو أداروا ظهورهم نحوه، واتخذ كل واحد منهم سبيله لشأنه متعللا بما شاء.
Bog aan la aqoon