Magaalada Fadliga
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Noocyada
ولوك احتج بها نفسها في تقرير أنه باطل، ومنتني - وكان رجلا مولعا دائما بأية فكرة تخطر - يرى أن ليس من العقل في شيء «أن تتحكم الصناعة في الطبيعة أمنا الكبيرة القوية.»
43
وأخيرا ولكيلا أزيد صبرك احتمالا أذكر رأي باسكال، هدته صحبته الطويلة للطبيعة وسننها إلى أن يقرر في شأنها هذا الحكم: «وبعد فما هي الطبيعة؟ ولم لا تكون العادة أمرا لا طبيعيا؟ إني أخشى كثيرا ألا تكون الطبيعة إلا العادة الأولى، وألا تكون العادة إلا الطبيعة الثانية.»
44
وإذن فلم تكن هذه الصورة المثالية للطبيعة شيئا خاصا بالقرن الثامن عشر وحده، ولكن كان للطبيعة في ذلك القرن شأن لم يكن لها فيما سبقه من العصور، كانت صورتها في القرن الثامن عشر أتم وأوفى مما كانت من قبل، خليقة بأن تستهوي أهله حقا، كانت صورتها في العصور السابقة له أقرب لتمثيل «شبح» الطبيعة - إن جاز القول - منها لتمثيل الأصل نفسه، وكان الإدراك الفطري يشعر الناس حتى القرن الثامن عشر بأن مظهر الطبيعة يدل على أنها ليست سلسة القياد، بل على أنها غامضة محفوفة بالمكاره، أو في أحسن الأحوال - شيء متنافر مع بني الإنسان، فاحتاج الناس إلى توكيد جازم مصدق بأن لا داعي يدعوهم للخوف، وأتاهم اللاهوتيون والفلاسفة بهذا التوكيد؛ قالوا لهم: إن الله خير وعقل، فكل ما يخلقه لا بد أن يكون على نحو ما خيرا وعقلا، حتى ولو ظهر لعقلنا المحدود أنه ليس كذلك، واستنبطوا بناء على هذا نظام الطبيعة من الصفات التي نسبوها للخالق؛ ولذا كان القانون الطبيعي عندهم متعلقا بكون تصوري مفارق للكون الحقيقي؛ أي بتركيب منطقي مثاله في العقل الإلهي، ينعكس انعكاسا أقل جلاء في عقول الفلاسفة، فلا علاقة إذن للقانون الطبيعي بالظواهر الطبيعية؛ أي بما يحدث فعلا في الطبيعة.
ومهما كان من أمر توكيد اللاهوتيين والفلاسفة القدامى أن منظر «شبح» الطبيعة أسوأ من مخبره، فإن الناس اطمأنوا حقا في القرن الثامن عشر إلى أنه لم يعد يطرقهم ليخيفهم؛ إذ قد تحول إلى ما هو أثبت من خيال، صار ذا ماهية ثابتة، وتكرر طروقه فألفوه وعرفوه، وإن شئت أن تدرك حقيقة أمر الطبيعة في ذلك العصر فلا خير من الرجوع إلى «هيوم»؛ وهذا لأن الرجل أنعم النظر فيها أكثر مما فعل أي رجل آخر من معاصريه؛ وهذا أيضا لأنه أدرك قبل غيره أنها وهم، وعلى ذلك فقد صدر عنه، على لسان كليانتيس أحد الأشخاص الخياليين الذين أدار هيوم بينهم المحاورات في الدين الطبيعي، وصف للصورة المثالية للطبيعة، لا نجد خيرا منه في آثار الفلاسفة.
يقول كليانتيس في معرض الانتصار للدين الطبيعي: «انظر فيما حولك من العالم، تأمله كلا، وتأمل كل جزء من أجزائه، ألا تراه يزيد في نظرك عظمة، وأن هذه الآلة العظيمة تتكون من آلات أصغر، وكل من هذه الآلات تتكون من أصغر منها، وهكذا على نسق وإلى حد تعجز الملكات البشرية عن متابعته وحصره وتفسيره، وكل هذه الآلات كبيرها وصغيرها تدخل في تراكيب دقيقة تخطف أبصار المتأملين حقا، وثم حقيقة أخرى، هي أن ما نشاهده في الطبيعة من تجاوب بين الغايات والوسائل له ما يماثله تماما فيما يوجده ذكاء الإنسان، مع مراعاة ما بين النوعين من تغاير في المقدار، وعلى ذلك فلنا أن نقول: إنه بما أن المعقولات تتماثل، فلنا أن نذهب إلى أن عللها تتماثل، أو بعبارة أخرى - إلى أن موجد الطبيعة مماثل على نحو ما لعقل الإنسان، مع مراعاة ما بينهما من فرق في القدرة يتناسب مع ما بين أفعالهما من فرق العظمة.»
45
ولهذا النص دلالتان؛ نلاحظ أولا أنه يدل على أن عملية الاستدلال المنطقي قد عكست، فكليانتيس لا يستدل على أن الطبيعة يجب أن تكون عاقلة بكون الله عقلا أزليا، بل هو يعكس ويقول: إن الله لا بد أن يكون مهندسا؛ لأن الطبيعة آلة؛ أي إنه جعل من القانون الطبيعي، ومما يحدث فعلا في عالم الطبيعة شيئا واحدا، ويؤيد هذا التأويل للاتجاه الجديد أن الذي يثير في نفس كليانتيس الإعجاب، لم يكن جمال الصورة المنطقية للعالم، بل كان دقة التركيب وانسجام الأجزاء الكلية التي شاهدها فعلا فيما هو قائم، فالطبيعة هذه ليست إذن تصورا منطقيا بل حقيقة مادية، والقانون الطبيعي ليس تركيبا من تراكيب المنطق القياسي، بل هو الأفعال المنتظمة المشاهدة الملاحظة التي تفعلها الأشياء المادية.
وهكذا استحالت الصورة المثالية للطبيعة صورة أخرى، وهذه الاستحالة - كما نعرف جميعا - من أثر مكتشفات القرن السابع عشر العلمية وأساسها الملاحظة، لاحظ جاليليو فعلا معينا للبندول، واستنبط من ملاحظاته قانون البندول وصاغه في حدود رياضية، وكان نيوتون رجلا مؤمنا يوقن حقا بأن السموات تسبح بجلال الله، ولكنه آثر لتحقيق أغراض البحث في أفعالها أن يتأملها بعدسة التلسكوب، وأن يسجل تأملاته في صيغ رياضية، وقد هداه هذا إلى أن كل جسيم في السموات وفي غير السموات يفعل كما لو كان يجذب إليه كل جسيم آخر بقوة متناسبة طرديا مع حاصل ضرب الكتلتين وعكسيا مع مربع المسافة بينهما. كان هذا نوعا جديدا من قانون الطبيعة، ويعبر عن هذا التطور الناشر للطبعة الثانية من كتاب «المبادئ» لنيوتون في قوله: إن الفلاسفة فيما مضى شغلتهم تسمية الأشياء عن البحث في ماهياتها. ويعبر عنه نيوتون نفسه في قوله: «إن هذه المبادئ ليست خاصيات خفية تنشأ عن صورة الأشياء بالذات، بل هي قوانين طبيعية عامة تشكل الأشياء على ما هي عليه.»
Bog aan la aqoon