Magaalada Fadliga
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Noocyada
وكم من مسعى لهذا القديس في حرث الدنيا وفي مصالح الناس الدنيوية، وكم من مشروع وضع، وكم من فكرة اقترح، لتحسين أحوال الإنسان: «مشروع لتمهيد الطرق في فصل الشتاء»، «مشروع لإصلاح الاستجداء»، «مشروع لجعل الأمراء رجالا نافعين»، وذات يوم خطر بباله بغتة مشروع بهت لجماله، وقضى خمسة عشر يوما كاملة في درسه وصياغته
17
ثم طلع باقتراحه المشهور «مشروع لإقرار سلام أبدي في أوروبا».
وبعد فلنا إن شئنا أن نضحك نحن أيضا من الأب مع الضاحكين، ولكن ألا يذكرنا كلفه بالمشروعات برجل منا نحن الأمريكيين، بجيفرسون وشغفه بالإصلاح، وبأمريكي آخر هو فرانكلين، وبالفوائد التي ملأ بها التقويم الذي سماه تقويم ريتشارد المسكين،
18
ولنضحك منه ما شئنا على أن نكون واثقين من أننا لا نضحك منه وحده، بل من العصر كله، فما كان الأب دي سان بيير إلا مثلا لعصر شغله صلاح أمر الإنسانية، وولع بوضع مشروعات عديدة لخيرها، ولن نستطيع أن نجد رجلا ما في ذلك الربيع المزهر من تاريخ الإنسانية لم تكن له يد في تدبير مشروع أو في تخيل مشروع، بل وماذا كانت تصنع أكثر الأكاديميات العلمية في فرنسا سوى بحث المشروعات والتخاصم على المشروعات والتمتع بالمشروعات، بل وماذا كانت دائرة المعارف، وماذا كانت الثورة الفرنسية نفسها؟ مشروعات كبرى ولا شك، وفي الجملة وفي لب الموضوع ماذا كان يشغل ذلك القرن الثامن عشر المستنير؟ وما هي أهميته بين العصور سوى أنه وقف كل ما ملك من جهد لتوطئة السبل لبلوغ بني الإنسان السعادة والتمتع بنعم الحرية والإخاء والمساواة، وأن رجاله آلوا على أنفسهم أن يحققوا ذلك، وأنهم واصلوا البحث في وسائله مواصلة لا تنقطع، ودعوا الناس إليه دعوة تفيض حرارة وإيمانا، وأنهم حين قدروا أن الأجيال المقبلة ستعرف لهم جميل صنعهم سعدوا بذلك، وسكبوا دموعا لم تكن دموع محزون، وكان من أمرهم أنهم لم يغفلوا شيئا ما حتى ذلك المشروع البسيط بساطة السذاجة لجعل الأمراء رجالا نافعين، ولك أن تسأل هل كانت مشروعات العصر في جملتها أكثر غناء من مشروعات الأب دي سان بيير، أو هي كذلك في الظاهر فقط؟ ومهما يكن فمنبعهما جميعا كان ذلك المثل الأعلى المسيحي، وهو السعي في مصالح الخلق، وذلك الدافع الإنساني نحو تقويم المعوج.
هذا وإني لست بغافل عما حدث من تغيير خلال القرن الثامن عشر في مظاهر التعبير عن ذلك الدافع التقويمي لإصلاح الفساد، وذلك أنه منذ حوالي عام 1750 بدأت العاطفية تطغى على الإدراك السليم، وبلغ من قوة تأثيرها في السلوك أن كانت دموع القوم تنهمر لأي انفعال، وقد قيل إن روسو هو المسئول عن تلك الظاهرة العجيبة، والظاهر أن الرجل مظلوم، فالثابت أن ديدرو - مثلا - عرف البكاء قبل أن يتصل بروسو، وبقي يسكب الدموع حتى بعد أن تخاصما وانفصلا، والثابت أيضا أن الظاهرة كانت أمرا ذائعا من زمن، ففي عام 1760 حينما اعترف القسيس الصغير الأب جالياني
19
لديدرو بأنه لم يبك في حياته قط، وقع ذلك أسوأ وقع في نفس صاحبه، وقبل هذا بأعوام حين قال فونتنيل إنه يستبعد العواطف من كل شيء إلا من الشعر الوصفي للحياة الريفية
20
Bog aan la aqoon