Magaalada Fadliga
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Noocyada
وعلى هذا فلنا أن نقول: إن الثورة الفرنسية تحولت فعلا إلى حركة دينية من نوع جديد، وقد يقال إنها ثورة دينية من نوع ناقص، فلم يكن لها إله، ولم تكن لها عبادات وطقوس ولا حياة أخرى، ومهما يكن فالثابت أنها ملأت العالم جندا ورسلا وشهداء.
والملاحظة عميقة دقيقة، ولكن - على الضد مما زعم دي توكوفيل - كان للثورة إلهها في مبادئ الحرية والمساواة المقدسة، وكانت لها عباداتها في مراسم الثورة الكبرى، وكان لها قديسوها في أبطال الحرية وشهدائها. •••
ومضت مائة عام على سقوط الباستيل، تم في أثنائها الانقلاب السياسي الاجتماعي الذي تولد عنه العالم الذي شهدناه قبل الحرب العالمية الأولى.
وهذا الانقلاب لم يتم دون الترخص في حق مبادئ الثورة الفرنسية ودون التساهل والتحريف عند تطبيقها، والترخيص والتساهل لم يكونا شيئا قليلا ولا شيئا مستورا.
ففي فرنسا، شتان ما بين الجمهورية المثالية التي كانت حلم سنة 1793 والجمهورية الثالثة التي كانت من إنشاء الملوكيين لما اختلفوا فيما بينهم، وبدأت جمهورية بلا دستور، بل وبلا إعلان لحقوق الإنسان.
والوحدة الإيطالية، فرق بين ما كان يحلم به مازيني وبين ما حققه كافور بالخداع السياسي، وبمعونة نابليون الثالث عدو الحرية في بلاده.
والوحدة الألمانية، كانت من إنشاء بسمارك، ثمرة الدم والحديد، وماذا نالت ألمانيا المتحدة، سوى حق التصويت العام، لترسل نوابا عنها لا يتجاوز سلطانهم إلقاء الخطب واتخاذ القرارات.
والإمبراطورية النمسوية المجرية، على ما غرفتها الأيام السابقة للحرب العالمية الأولى، كانت وليدة الاتفاق بين ألمان الإمبراطورية ومجرييها على التسلط على الشعوب غير الألمانية وغير المجرية الخاضعة لسلطان آل هابسبرج.
فالانقلاب العظيم كان على الوجه الذي تم عليه خيانة لآمال الدعاة الذين بشروا به، ولما تحقق سواد الناس من أن حكوماتهم على ما هي عليه من تلويث وقهر لا تعدو أن تكون نوعا من الحكم أقرب إلى السوء منه إلى الجودة، وأن إزالة الضيم القديم لم تؤد في الواقع إلا للإفساح لضيم جديد، انقسموا فريقين: المترفون أو الراضون عن عيشهم أو عن أنفسهم، وهؤلاء ظلت العقيدة الديمقراطية على ألسنتهم كلمات بلا روح، وأما الساخطون فقد نبذوا تلك العقيدة ليتبعوا ما بشر به كارل ماركس وأنجلز.
وقد أقام كارل ماركس المذهب الشيوعي على قوانين الطبيعة، كما دل عليه العلم على عهده، والمذهب في هذا مثل دين الإنسانية في القرن الثامن عشر، وكتاب رأس المال يقوم على أساس من جدل هيجل ونظريات داروين في التطور، إلا أن الشيوعية أقل توكيدا لأثر الفرد في الأحداث، وهي لا تحلم بجنة كانت أو بعصر ذهبي كان، ولا تؤمن بأن بعث خلق جديد سيتم عن طريق انتشار النور وطيب الطوية، فالماضي كان حربا لا هوادة فيها، ولا رحمة بين قوى مادية، حربا تحركها المصالح الاقتصادية للطبقات والطوائف، ومن هذه الحرب نشأ نظام الأرستقراطيين أصحاب الأرض في العصور الوسطى، ثم حطمت حرب المصالح هذا، وأحلت محله النظام الرأسمالي البورجوازي الذي بلغ أشده في القرن التاسع عشر، وسوف تحطمه بدوره لصالح البروليتاريين.
Bog aan la aqoon