Madina Fadila Cabr Tarikh
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Noocyada
ولم يكتف اليوتوبيون بإلغاء النقود والتجارة في التعامل فيما بينهم، بل نجحوا أيضا في تجريد الذهب والفضة والأحجار الكريمة من سحرها وقوتها المفسدة، واخترعوا طريقة فذة تمكنهم من الحفاظ عليها واستعمالها أحيانا في التجارة مع الدول الأجنبية، دون أن يضفوا عليها أي قيمة، حتى إنهم نظروا إليها باحتقار: «فبينما يأكلون ويشربون من آنية من الفخار والزجاج، رائعة الصنع ولكنها قليلة القيمة، فإنهم يصنعون من الذهب والفضة «القصاري» وأحط الأواني للاستعمال في كل مكان، لا في القاعات العامة فحسب، بل في المنازل الخاصة أيضا. وفضلا عن ذلك، فهم يستخدمون هذه المعادن عينها لصنع الأغلال والقيود الثقيلة التي يوثقون بها العبيد، وأخيرا، فإن كل من يرتكب جرما ويجلب العار على نفسه، يعلقون الحلي الذهبية في أذنيه، ويضعون الخواتم الذهبية حول أصابعه، والسلاسل الذهبية حول رقبته، أخيرا تاجا ذهبيا على صدغيه. وهكذا يجعلون، بكل وسيلة في متناول اليد، من الذهب والفضة علامة للعار والخزي. ونتيجة لهذه الطريقة أيضا، فبينما يعد فقد هذه المعادن في جميع الشعوب الأخرى سببا للحزن العميق وكأن في فقدها فقد أهم أسباب الحياة، ففي يوتوبيا إذا ما دعت الظروف إلى فقد جميع الذهب والفضة، فلن يشعر أحد بفقد مقدار مليم واحد. ويجمع اليوتوبيون اللآلئ أيضا من شاطئ البحر، والماس والعقيق من بعض الصخور، ولكنهم لا يخرجون للبحث عنها، فإذا وجدوها مصادفة، صقلوها، وزينوا بها صغارهم. ويفرح هؤلاء الصغار ويفخرون بهذه الحلي في السنوات الأولى من طفولتهم، ولكنهم ما إن يشبوا عن الطوق ويدركوا أن مثل هذه اللعب لا يلبسها إلا الأطفال، حتى يخلعوها خجلا، دون أن يأمرهم بذلك ذووهم، كما يفعل أطفالنا عندما يكبرون، ويلقون بعيدا بلعبهم ودماهم وبليهم.»
35
وكما يتوقع من دولة تؤدي فيها الأسرة مثل هذا الدول المهم، فقد روعي الحرص الشديد على استقرار الزواج بقدر الإمكان، وعلى الرغم من السماح بالطلاق فإن مرتكبي جريمة الزنا يعاقبون بفرض العبودية عليهم، وأحيانا الإعدام: «لا تتزوج المرأة قبل الثامنة عشرة من العمر. ولا يتزوج الرجل إلا بعد ذلك بأربع سنوات. فإذا أدين رجل أو امرأة بالمعاشرة سرا قبل الزواج، عوقب الاثنان أشد عقاب، وحظر عليهما الزواج حظرا تاما، ما لم يعف الحاكم عن جرمهما، وفضلا عن ذلك فإن كلا ربي الأسرة اللتين يرتكب فيهما هذا الخطأ يركبهما العار؛ لأنهما أهملا القيام بواجباتهما. ويعاقب هذا الخطأ بهذه القسوة لأنهم يعرفون مسبقا أنه ما لم يتوخ الحرص في منع الأشخاص من هذه المخالطة غير المقيدة، فلن ترتبط إلا القلة برباط الزواج، الذي يجب أن يقضي الشخص بمقتضاه الحياة برفقة شخص واحد، ويتحمل بصبر جميع المتاعب المرتبطة به.
وعند اختيار شريك الحياة يراعون بكل جدية وحرص عادة بدت لي غاية من الحماقة والسخف، ذلك أن سيدة وقورا محترمة ترى المرأة، سواء كانت عذراء أم أرملة، عارية لراغب الزواج، كما يقدم رجل عاقل راغب الزواج عاريا كذلك أمام الفتاة. لقد ضحكنا كثيرا لهذه العادة وحكمنا عليها بأنها عمل أحمق. أما هم فقد عجبوا، من الناحية الأخرى، من حماقة جميع الشعوب الأخرى. فعندما يشترون مهرا، حيث لا يتطلب الأمر إلا القليل من المال، يتوخى الشخص كل هذا الحرص، بحيث إنه بالرغم من أن المهر يكاد يكون عاريا تماما، فإنه لا يشتريه إلا إذا رفع عنه السرج وغيره من الأغطية، خوفا من أن يكون مصابا بمرض جلدي تخفيه هذه الأشياء. ومع ذلك فعندما يختارون زوجة، وهو عمل سيكون فيه سرورهم أو شقاؤهم طوال الحياة، يبلغ بهم الحرص درجة تجعلهم يحكمون على المرأة، وجسمها كله تقريبا مغطى بالملابس، بما لا يكاد يزيد على مساحة الكف منها، إذ لا يرى الرجل منها سوى الوجه، ويرتبط بها معرضا نفسه لخطر عظيم إن لم يتفقا معا إذا اكتشف بعد ذلك شيئا منفرا. فليس جميع الرجال من الحكمة بحيث يهتمون فقط بخلق المرأة، وحتى في زواج الحكماء من الرجال لا تعد محاسن الجسد إضافات هينة إلى فضائل العقل. فمن المؤكد أن تلك الملابس قد تخفي تحتها تشويها كريها قد ينفر الرجل تماما من زوجته، ذلك في الوقت الذي لم يعد الانفصال الجسدي أمرا مسموحا به. أما إذا حدث هذا التشويه بعد أن يتم الزواج، فمن واجب كل شخص أن يرضى بقدره، أما قبل الزواج فعلى القانون أن يحمي الشخص من أن يقع في شرك عن طريق الغش والخداع.
ومما جعل هذا الأمر أكثر أهمية لدى اليوتوبيين، أنهم الشعب الوحيد في تلك الأجزاء من العالم الذي يكتفي رجاله بزوجة واحدة، كما أن الزواج قلما يفصم لديهم إلا بالموت،
36
أو بسبب الخيانة الزوجية، أو ما لا يطاق من طباع منفرة. فإذا ما حدث ذلك للزوج أو الزوجة، صدر له إذن من المجلس بأن يتزوج ثانية. أما الطرف الآخر فيقضي بقية العمر يحمل وصمة العار، دون زواج. أما أن يترك الرجل زوجته دون رضاها ودون أن يكون لها في ذلك ذنب، لأن مكروها أصاب جسدها، فذلك ما لا يرتضون، ويرون أنه من القسوة أن تهجر الشخص وهو أشد ما يكون حاجة إلى السلوى، وأن كبر السن، الذي يصحبه المرض ويعد مرضا في ذاته، لا يجد سوى قدر ضئيل لا يعتمد عليه من الإخلاص.
ومع ذلك قد يحدث أحيانا ألا تتفق طباع زوجين بدرجة كافية، ويجد كل من الزوجين شخصا آخر يأمل أن يعيش معه حياة أسعد، ولذا ينفصلان بموافقة كل منهما، ويدخلان في ارتباطين جديدين، ولكن لا بد لهما من موافقة المجلس. أما المجلس فلا يسمح بأي طلاق قبل أن يبحث أعضاؤه وزوجاتهم الأمر بعناية. وحتى بعد ذلك فإنهم لا يرحبون بالموافقة على الطلاق لأنهم يعلمون أن عائقا سيقف في سبيل توثيق عرى الحب بين الزوج وزوجته، إذا كان هناك أمل في زواج جديد سهل.
أما أولئك الذين يخونون الرباط الزوجي فيعاقبون بأشد أنواع العبودية صرامة، فإذا كان الطرفان متزوجين، يطلق الطرفان المضاران، بموافقتهما، من الطرفين الخائنين ويتزوجان، أو يسمح لهما بالزواج بمن يريدان. أما إذا كان أحد هذين الطرفين اللذين أضيرا لا يزال يحب ذلك الشريك غير الجدير بالحب، فليس ممنوعا أن يظل الزواج قائما، بشرط أن يرضى هذا الطرف بمصاحبة الطرف الآخر ومشاركته العمل الشاق بعد أن يحكم عليه بأن يصير عبدا. ويحدث من وقت لآخر أن تثير توبة الواحد، وطاعة واجتهاد الآخر شفقة الحاكم فيعيد إليهما الحرية. أما معاودة ارتكاب نفس الخطأ فعقوبتها الموت.»
37
Bog aan la aqoon