Dugsiyada Falsafada
المدارس الفلسفية
Noocyada
فنحن نعرف أن أفلاطون كتب عدة محاورات، بقي منها ثمان وعشرون واحدة، من أهمها الجمهورية والنواميس، وأجرى فيها الحوار على لسان سقراط، مما يجعل المرء يعتقد أن ما ورد في هذه المحاورات إنما هو آراء سقراط لا أفلاطون. والحق في ذلك أن بعض المحاورات يصور أفكار سقراط، وهي المحاورات السقراطية، وبعضها الآخر يصور آراء أفلاطون، والمؤرخون مختلفون في تحديد هذا النوع أو ذاك. هذه المحاورات، سواء منها السقراطية أم الأفلاطونية، خاطب بها أفلاطون الجمهور الواسع وليس خاصة تلاميذه. وقد لقيت المحاورات نجاحا منقطع النظير، وكان الناس يقرءونها بصوت عال، وكانت تمثل على خشبة المسرح زمان شيشرون. ومع أن أفلاطون حذر طلابه من تدوين الفلسفة، وأعلن صراحة أن هذه المحاورات لا تعبر عن آرائه الفلسفية، إلا أن المتأخرين اعتمدوا عليها في معرفة فلسفته، وبخاصة في نظرية المثل. وكانت المحاورات، أو على الأقل بعضها؛ مثل فيدون، وطيماوس، والجمهورية، تدرس في الأكاديمية حتى زمانها المتأخر، ويتولى الأساتذة شرحها. وكان الطلبة الذين يرحلون إلى أثينا لتعلم الفلسفة، يجدون بغيتهم في هذه المحاورات وشروحها؛ ففي القرن الثالث بعد الميلاد نجد فرفريوس الصوري يحضر بعض الوقت على لونجينوس في أثينا شروحه على محاورات أفلاطون.
ليس معنى ذلك أن المحاورات لم تكن في زمان أفلاطون، ووقت كتابته لها، تدرس في الأكاديمية. كانت متداولة، ولكنها لم تكن أساس التدريس. كان الطلبة يطلعون عليها كأي فرد من أفراد الجمهور، ولعلهم كانوا ينتقدون الأفكار التي عرضها أستاذهم فيها؛ ولذلك تعاقبت المحاورات، يعدل اللاحق منها السابق، وتطورت آراؤه بفضل حرية النقد والمناقشة. وكان النقد جريئا مرا لا يرحم، أطلعنا أرسطو الذي كان تلميذا بالأكاديمية على طرف منه، وأرسطو هو القائل في كتاب الأخلاق: أحب أفلاطون وأحب الحق، ولكن حبي للحق أعظم. إنه يعترف بصداقته لأستاذه، ومحبته له، ولكنه لا يتنازل عن التمسك بالحق في سبيل الصداقة.
ولما كان الغرض الأساسي من إنشاء الأكاديمية تخريج طائفة من الحكام والساسة، فمن الطبيعي أن تكون دراسة الشرائع وأصولها وأنظمة الحكم الصالح، هي التي تكون منهج الدراسة؛ ولهذا السبب لجأ إليها أهل المدن المجاورة يطلبون رأيها في التشريع، كما فعل إيبامنونداس عندما طلب تشريعا لمدينة ميجالوبوليس. وإلى جانب ذلك، كانت الأكاديمية تدرس العلوم الرياضية من حساب وهندسة وفلك وموسيقى. وقد مر بنا كيف كان يتوقع الذين حضروا دروسه في «الخير» أن يسمعوا شيئا عن الفضائل، فإذا بهم لا يسمعون إلا فلكا وحسابا وكلاما عن الواحد والمحدود وغير ذلك من الأمور الرياضية. ذلك أن الرياضة كانت عند أفلاطون مدخلا لا غنى عنه إلى الفلسفة؛ ولذلك كتب على باب الأكاديمية العبارة المشهورة: «من لم يكن مهندسا فلا يدخل علينا.» ومن الفروض الفلكية التي كانت سائدة في المدرسة، انتظام حركة الأجرام السماوية، وعلى أساس هذا الفرض، كان علماء الأكاديمية يفسرون تحير الكواكب.
من أولئك العلماء الذين عاونوا أفلاطون، وكانوا سبب شهرة الأكاديمية رياضيا؟ من الصعب معرفة أسمائهم واحدا واحدا. ثم إن التلاميذ بالنسبة لأستاذهم لم يكونوا طلبة بمقدار ما كانوا أصحابا. ونحن نعلم أن أفلاطون ذهب للقاء ثيودورس الرياضي، وأرخيتاس الفيثاغوري، وإقليدس الميجاري، كل في موطنه، ولم يكن بالنسبة إليهم تلميذا، كذلك كان يحضر المدرسة عند أفلاطون عدد من الأصحاب يمكن أن يعدوا من علماء الأكاديمية؛ منهم ثياتيتوس، وأيدوكسس، بل يذهب بعض المؤرخين إلى أنهم فعلا من تلامذة أفلاطون.
ولسنا نعلم عن ثياتيتوس إلا النزر القليل، ومع ذلك، فقد خلد أفلاطون اسمه حين جعل محاورة برأسها تحمل اسمه، وكل ما نستفيده عن حياته من هذه المحاورة، أنه كان من أهل أثينا، وأنه تعلم على يدي سقراط وثيودورس القورينائي، وأنه كان معاصرا لأرخيتاس وأفلاطون. ويبدو أنه كان رياضيا بارعا، وصاحب كشوف جديدة في هذا العلم العجيب؛ مما حدا بأفلاطون إلى أن يخلد اسمه. والمشهور أن هذه المحاورة تبحث في نظرية المعرفة وكيفية اكتسابها، أمن الحس أم من العقل؟ ولكن ثياتيتوس إلى جانب ذلك، بل قبل أن يكون فيلسوفا، فهو رياضي له رأي في الأعداد الصماء، والكميات الصماء - أي التي لا تخضع للقياس - ورأي في المجسمات المنتظمة.
أما «يودكسس» فأصله من كنيدوس، تعلم الهندسة على يد أرخيتاس، ثم رحل إلى أثينا وهو في الثالثة والعشرين من العمر، بعد افتتاح الأكاديمية بعامين (افتتحت الأكاديمية 387ق.م.) وكان في صباه شديد الفقر، ولكنه اكتسب ثروة كبيرة من «التعليم»، بعد أن ذهب إلى مصر، وظفر بشهرة واسعة في الفلسفة والرياضة والفلك. وقد طلع بنظرية جديدة في التناسب، واكتشف «القطاع الذهبي»، أي «أجمل» قسمة لخط أو كمية، قسمة ذات وسط وطرفين. ويمكن القول إنه أنشأ علم الفلك مفسرا حركات الكواكب بنظرية كرات تدور على محاورها، ومتحدة المركز.
ليس معنى ذلك أن هذين الاثنين هما وحدهما العالمان اللذان تخرجا في الأكاديمية؛ فهناك أسماء تتردد أيضا؛ منها ليوداماس، ونيقوليدس، وليون. وهؤلاء الثلاثة كان لهم أثر في تقدم الهندسة وتنظيم دراستها، وزيادة نظرياتها، وترتيبها ترتيبا علميا؛ فكانوا بذلك أصحاب الفضل في التمهيد لظهور إقليدس صاحب الهندسة.
ومن الطبيعي أن يكون منهج البحث ملائما للعلوم الرياضية التي اشتهرت بها الأكاديمية. وقد بدأت المناهج تتميز بوضوح منذ سقراط الذي اشتهر بمنهج «التهكم والتوليد». والمنهج السقراطي يعتمد أساسا على الحوار؛ لأن المباحث التي خاض فيها هي العلوم الإنسانية من أدب وفن ولغة وشعر ودين وأخلاق واجتماع وسياسة. وقد اتبع هذا المنهج في الأكاديمية وتصوره المحاورات أجمل تصوير، وهو منهج يقوم على تعريف المعاني الكلية، وتحديد الألفاظ، والاستقراء.
والأصل في المحاورة أنها مناقشة تتم بين شخصين - أو أكثر - وتسمى باللغة اليونانية «ديالوج» من المقطعين «ديا» و«لوجوس»؛ أي الكلام أو القول بين اثنين. وقد تطور الحوار عند سقراط إلى «الجدل» عند أفلاطون، وهو يعني باليونانية «ديالكتيك»، من المقطعين «ديا» و «لكتيكون» أي كلام أو حديث. والفرق بين «الديالوج» و«الديالكتيك» أن الحوار حديث بين شخصين، و«الجدل» حديث بين الشخص نفسه. فهو تفكير يدور داخل النفس، ومنه عند أفلاطون جدل صاعد ومنه جدل نازل. و«الجدل» بهذا المعنى هو المنهج الفلسفي بلا منازع؛ لأن النفس تصعد إلى المثل أي الحقائق، ثم تنزل من عالم المثل إلى عالم الحس، وتهبط من عالم الثبات إلى عالم التغير.
أما المنهج الملائم للرياضيات، فهو التحليل والقسمة، ويقال إن أفلاطون هو الذي اخترع طريقة التحليل، ثم وهب المنهج إلى تلميذه ليوداماس. والتحليل باليونانية «أنالوسيس»
Bog aan la aqoon