• خروجه من العراق ورحلته إلى مصر:
اختلفت الآراء في سبب خروج القاضي عبد الوهاب من بلده وموطنه العراق، فأكثر المصادر تقول: بأنه خرج من العراق لضيق حاله وللإفلاس الذي لحق به، ففي يوم توديعه للعراق شيَّعه يوم فصل عنها من أكابرها وأصحاب محابرها جملة موفورة وطوائف كثيرة، وأنه قال لهم عندما وقفهم للتوديع وعزَّ عليهم في الرجوع: والله يا أهل بغداد، لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة وعشية ما عدلت ببلدكم بلوغ آمنية، والخبر عندهم يومئذ ثلاثمائة رطل بمثقال (^١).
وقال لهم أيضًا: .. ولقد ترك أبي جملة دنانير ودارًا أنفقتها كلها على صعاليك ممن كان ينهض بالطلب عندي، فنكس كل واحد منهم رأسه، ثم أمرهم بالانصراف فانصرفوا وأنشد:
لا تطلبن من المجبوب أولادا … ولا الشراب لتسقي منه واردا
ومن يروم من الأرذال مكرمة … كمن يؤتد في الأتبان أوتادا (^٢)
ومما ارتجله أيضًا يومئذ هذه الأبيات (^٣):
سلام على بغداد في كل موطن … وحق لها مني السلام المضاعف
لعمرك ما فارقتها قاليا لها … وإني بشطي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت عليَّ برحبها … ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
فكانت كخِلِّ كنت أهوى وصاله … وتنأى أخلاقه وتخالف
وقيل أن سبب خروجه من بغداد كلام نقل عنه: أنه قاله في الإِمام الشافعي وطُلب لأجله فعجل بالفرار منها خائفًا على نفسه (^٤).
_________
(^١) الذخيرة في محاسن الجزيرة: ٤/ ٥١٦.
(^٢) ترتيب المدارك: ٧/ ٢٢٣.
(^٣) ترتيب المدارك والوفيات: ٣/ ٢٢٥، تاريخ قضاة الأندلس ص ٤١.
(^٤) ترتيب المدارك: ٧/ ٢٢٤، تاريخ قضاة الأندلس ص ٤١.
1 / 28