قلنا: إن التجربة على ضربين: أحدهما: أن يقصد الرجل إلى امتحان شيء ليعرف مخبره عما عرف منظره.
والآخر: أن يهجم على علم ذلك من غير قصد.
وقد يسمى الإنسان مجربا، قاصدا أو هاجما، فيزعم أن البالغ قد سقط من بطن أمه إلى أن يبلغ، مقلبا في الأمور المختلفة، ومصرفا في خلال الحالات، بالمعرفة التي تلقحه الدنيا، بما تورد عليه من عجائبها، ويزداد في كل ساعة معرفة، وتفيده الأيام في كل يوم تجربة، كما يزداد لسانه قوة، وعظمه صلابة، ولحمه شدة، من أم تناغيه، وظئر تلهيه، وطفل يلاعبه، وطبيب يعالجه، ونفس تدعوه، وطبيعة تعينه، وشهوة تبعثه، ووجع يقلقه، كما يزيده الزمان في قوته، ويشد من عظمه ولحمه، ويزيده الغذاء عظما، وكثرة الغضب والتقليب جلدا. فإذا درج وحبا، وضحك وبكى، وأمكنه أن يكسر إناء أو يكفئه، أو يسود ثوبا، أو يضرب دابرة الخادم، وانتهره القيم. فلا يزال ذلك دأبه ودأبهم حتى يفهم الإغراء والزجر، والتغذية والانتهار، كما يعرف الكلب اسمه إذا ألح الكلاب عليه به. وكما يعرف المجنون لقبه، وكما يحضر الفرس من وقع السوط من كثرة وقعه بعد رفعه عليه.
Bogga 63