Macquul iyo Ma Macquul
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
Noocyada
المنجم :
إن حسبت علمت.
علي :
من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن؛ قال الله تعالى:
إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ... إن محمدا صلى الله عليه ما كان يدعي علم ما ادعيت علمه، أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها، وتصرف عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها؟! فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله جل ذكره في صرف المكروه عنه، وينبغي للموقن بأمرك أن يوليك الحمد دون الله جل جلاله ... نخالف ونسير في الساعة التي نهيتنا عنها [ثم خاطب الناس قائلا]: أيها الناس، إياكم والتعلم للنجوم إلا ما يهتدى به في ظلمات البر والبحر ... [وعاد إلى مخاطبة المنجم] أما والله لئن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبدا ما بقيت، ولأحرمنك العطاء ما كان لي من سلطان.
ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم، فانتصر على من قاتلهم من الخوارج، فقال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الناس: سار في الساعة التي أمر بها المنجم فظفر وظهر، أما إنه ما كان لمحمد صلى الله عليه منجم، ولا لنا من بعده، حتى فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر، أيها الناس، توكلوا على الله، وثقوا به؛ فإنه يكفي ممن سواه.
11
لقد بسطنا كل هذا الذي بسطناه عما دار في صفين بين علي ومعاوية ومن أحاط بهما من رءوس وأعلام، لنقف نحن من الصراع مشاهدين، نشاهد هؤلاء الرجال ومعنا نظرة القرن العشرين، لعلنا نستطيع أن نزن الموقف من ناحيته الفكرية، فإلى أي حد يدخل منطق العقل في أفعال الرجال وردود أفعالهم؟ أم هل كانت الغلبة في سلوكهم لدفعة الوجدان؟ وأحسبنا فيما قد عرضناه من تفصيلات القتال وفيما تبادله الجانبان من محاورة ومداورة قد أحسسنا بكثير من الغرابة في مواقف لا نألفها بل لا نسيغها في حياتنا الحاضرة، كما أحسسنا في الوقت نفسه بحقيقة الإنسان التي ما زلنا نألفها في معاصرينا قد تجلت فيما شهدناه، كأنما الإنسان هو الإنسان في تفكيره وتدبيره، وحيلته ودهائه، لا فرق في ذلك بين أن يكون هذا الإنسان ممن عاشوا قبل المسيح أو بعد المسيح، أو عاشوا في صدر الإسلام، أو ما بعد الصدر إلى الظهور والأعجاز، حتى لقد عن لي وأنا أكتب الصفحات السالفة أن أبدل أسماء بأسماء، فإذا الموقف في إطاره العام هو نفسه الموقف الذي يتكرر في تاريخ البشر كلما اختصم رجلان على الحكم، فجند كل من الرجلين أتباعا وأشياعا، ثم تلاقيا في ساحة القتال أو لجآ إلى وسائل المكر والدهاء والخديعة، مما يسمى في قاموس السلوك البشري بكلمة «السياسة».
فأما وجه الغرابة التي لا نألفها في حياتنا المعاصرة، فهو هذا الجمع العجيب - والجميل - في رجل واحد بين أن يكون هو الفارس الذي يجيد القتال بسيفه وجواده، وهو السياسي الذي يجادل ويقاول، وهو الأديب الذي يحسن صياغة اللفظ في أروع ما تكون الصياغة الأدبية. إن السياسي في يومنا هذا قد تكون له موهبة الكلام خطابة وكتابة، لكنه لا يضيف إلى ذلك مهارة القتال وشجاعة المحاربين، ثم لا يضيف إلى هذا وهذا وذاك حكمة الفلاسفة التي تنزع بصاحبها نحو ضم الكون كله في أحكام موجزة مركزة، نافذة إلى صميم الحق.
لكن اجمع هذه الأطراف كلها في رجل، يكن لك علي بن أبي طالب، فلئن كان الموقف في واقعة صفين - الذي اخترناه ليكون أول المواقف التي نعايش فيها الأسلاف لننظر إليهم ثم نحكم لهم أو عليهم - أقول: إنه إن كان ذلك الموقف قد دارت رحاه حول عدة أقطاب لا حول قطب واحد؛ فهنالك علي في ناحية، ومعاوية في ناحية، وهنالك عمرو بن العاص يعاون معاوية بدهائه، وهنالك أوائل الخوارج يعارضون عليا بتناقضهم في الفكر وبتزمتهم في العقيدة، إلا أنني إذا اخترت واحدا ليكون هو المرآة التي نركز عليها أنظارنا لنفهم تلك الحقبة الزمنية من حيث طرائق إدراكها لقلت: إنه علي وليس هو معاوية ولا عمرا ولا الخوارج، لماذا؟ لسبب بسيط يتصل بموضوعي وهدفي، وهو أن له كتابا ينسب إليه، أعني «نهج البلاغة»، ولا شأن لي بعد هذا بتقويم الرجال لأرى من يكون منهم أعلى ومن يكون أدنى، أو من يكون منهم على صواب ومن يكون على خطأ ؛ لأن ذلك ليس هو ما أكتب فيه هذه الصفحات، وإنما شأني كل شأني هو المرحلة الفكرية التي عاشوها، وطريقتهم في الإدراك والحكم. ومن ثم يكون المعبر منهم عن فكرته في عبارة أجدها بين يدي، أصلح لتركيز النظر ممن لم يهبه الله قدرة الإعراب عن نفسه إعرابا يمكننا نحن الخلف من رؤية عقله في عبارته.
Bog aan la aqoon