Macluumaadka La Yaqaan iyo Kuwa Aan La Aqoon
المعلوم والمجهول
Noocyada
لما اتصل بأهل سيواس ما جرى للأرمن افترقوا فريقين، فأما فريق المسلمين فأخذ يتأهب لمحاربة الأرمن إذا بدر منهم اعتداء عليهم، وأما فريق الأرمن فذهب خاصتهم إلى جماعة من الأجانب يسألونهم إن كان هناك ما يخيفهم، فذهب هؤلاء الأجانب إلى خليل رشيد باشا وإلى سيواس إذ ذاك، واستطلعوه جلية الأمر، فقال لهم إن الأمن معتدل في نصابه، وأن لا خوف من وقوع أمر جلل، وأنه ساهر لتنام الرعية. ثم شاع بين المسلمين أن الأرمن على أهبة دائمة، وزعم جماعة من الرعاع أن أرمنيين أبصرا أربع سيدات مسلمات في الطريق فاعترضاهن وقالا لهن غدا نقتل رجالكن ونتخذ بعضكن ساقيات وبعضكن ولائد، فزاد ذلك من حقد المسلمين، والأرمن لا يعلمون شيئا مما يقال عنهم من هذا القبيل. غير أنهم باتوا يتوجسون خيفة حين بدت على المسلمين أمارات الغضب وألفتوا عنهم الوجوه. وما مضى بعد ذا طويل زمن حتى قام المسلمون وأعملوا في الأرمن القتل والفتك، ودخلوا بيوت التجارة، وأكثرها في بناء عظيم اسمه «طاش خان»، أبوابه من الحديد، فما زالوا يضربون تلك الأبواب بالمعاول ويرمونها بالرصاص حتى انفتحت لهم. فما تركوا هنالك شيئا. وتلاحق الجنود والوالي يصيح بدار الحكومة ليكفوا وهم لا يكفون، وبعد قتال دام يومين كفت المذابح، ومما تقشعر منه الأبدان أن بعض أولئك الوحوش كانوا يذبحون من عثروا عليه من الأرمن بالمناشير. وقد رأى قوماندان الرديف الفريق محمد خلوصي باشا الذي توفي منذ عامين أناسا من المعتدين أحاطوا بأرمني وكان يصنع له أحذيته وله قبله دين لم يوفه، فاستجار الأرمني بالقوماندان، وقال: يا مولاي، عبدك يقتلونه ولا ذنب له، مرهم بحق مروءتك أن يهبوا حياتي لأولادي الصغار، قال القوماندان: أنت كافر وأولادك كفرة، وأشار إلى من أحاطوا بذلك المسكين أن يجهزوا عليه ففعلوا. وقد انتهز السفل هذه الفرصة فاختطفوا البنات ونهبوا المال نهبا لما، فترى اليوم أكثر تجار الأرمن وقد أصبحوا لا يملكون قوت يومهم، وأثرى بمالهم المنهوب غيرهم من اللصوص، فأمسوا من التجار.
ولو كان المسلمون أنصفوا إخوانهم المسيحيين، بل أنصفوا أنفسهم واتحدوا في القيام يدا واحدة على الحكومة المستبدة؛ لنالوا حريتهم منذ أعوام مديدة، ولاستبقوا محبة إخوانهم.
نعم، غضب الأرمن من المسلمين عامة، ومنا معشر الترك خاصة، ولا يبعد عن العقل أن يكونوا اتفقوا بينهم أن يتخذونا أعداء. فإذا صح ذلك فهو أمر حادث ولكنهم لم يكونوا كذلك؛ فيا طالما بكوا لبكائنا وشاركونا في ضرائنا، ومنعناهم أن يشاركونا في سرائنا، وكانوا يظنون أننا شركاؤهم في التشكي من استبداد المستبدين، فرأونا صاغرين لا نأتي حراكا ولا ننطق بلوم، ثم لم نبت أن خضبنا الأكف بدماء نحن أحوج الناس إلى حقنها .
كثير من الأرمن تركوا جمعياتهم وشاركوا أحرارنا وقالوا: نحن عثمانيون فلتكن رغائبنا عثمانية، وخالفوا بعض القائلين من أبناء جلدتهم بإحياء «أرمينيا الجديدة»، وقالوا هذا محال ولو كان لما أفاد.
فمن فضلائهم الذين فقد منهم العثمانين دعائم مجد رفيع وسيف نجدة ماضي الغرارين الشاعر الأديب الفاضل المرحوم «ناربي لوسينيان». مات في سنة 1894 مسموما. هذا النابغة هو من رجال الرهبانية، وله آثار تفتخر بها الأوطان، كان صادق النية حر النزعة، عثمانيا جسما وروحا، ولكن استكثره عبد الحميد على العثمانيين كما استكثر غيره، فسقاه الردى وأسكت يراعا نحن أحوج العباد إلى صريره.
كفى كفى، ولنختم هذه الصحيفة السوداء، وليكفنا منها أن ستشهد بها علينا الأيام، فإذا قرأها العثماني الصادق فليتخذها ذكرى وعبرة، وإذا قرأها غير العثماني فليثق أن هناك ناقمين كثيرين مثل كاتبها. وإذا التقى حر بيتيم من أيتام هذه المذابح وقال أنا ابن من ذبح بالمنشار، أو رأى فتاة في أسرة لابسة سوادا كنجم الثريا يبدو في الظلام وقالت أنا بنت من طعن في فؤاده، أو قرب مجلسه من سيدة أيم وكان محبا لزوجها وقال لها أين صديقي فلان فاغرورقت عيناها وقالت له قتله ابن عمك فلان؛ فليطأطئ الرأس وليقل: لألبسن معكم ثياب الحداد، ولأحمين عرضكم، ولأكونن لكم أخا ومعينا ما دمت حيا. وإذا وقف على قبر قفر الجوانب في بلقع يغلي هجيره وتسفي الرياح عليه المور، فليقل: عليك السلام أيها الأخ الشهيد الأرمني المظلوم، نعم ما طل حيث كنت ولا وتر لك دم؛ فلإن جار عليك المتعصبون فلينصفن من بعدك الأحرار.
جرائد العثمانيين الأحرار بمصر وغيرها
عشق الحرية أضنى أفئدة العثمانيين، وفي الغرب ناس كادوا يسأمون وصالها، والعشق يصقل الفكر ويبري اللسان ويسير الأقلام، وعلى قدر امتناع الشيء تكون الصبوة إليه «أعز شيء على الإنسان ما منعا.» ولا غرو أن ابن ورقاء على فننه، والريح في هزيزها، والماء في خريره، والشجر في حفيفه، نعم والرعد في زجله، والليث في زئيره، كل ينشد الحرية، فكيف ابن حواء وفيه من كل مخلوق خلق مودع في باطنه باد في ظاهره.
عرفنا «هوميروس» في «إلياذته»، وسمعنا «دانتي» يندب «بياتري»، وفهمنا «شكسبير» من «روميو وجوليت»، وقرأنا «غوطا» في «فوست»، وسمعنا «هوغو» وهو يجهر ب «الأصوات الباطنية»، وتلونا ما جاء به «نامق كمال» في «سلستره»، وأنشدنا مع «شوقي» قوله:
صوني جمالك عنا إننا بشر
Bog aan la aqoon