Macluumaadka La Yaqaan iyo Kuwa Aan La Aqoon
المعلوم والمجهول
Noocyada
هذا ما تيسر نشره من لائحة الأمير الجليل مصطفى فاضل، وكنت أود تعريبها برمتها إيثارا لدرر حكمها وإقرارا بفضلها لولا ضيق المقام. ولمدحت باشا وإسماعيل كمال بك ومراد بك لوائح عديدة رفعت إلى عبد الحميد الثاني من بعد، سخر بها وبكاتبيها، وزاد إسرافا في الدماء واستمراء للظلم.
وقد كان في خلع عبد العزيز والبيعة لمراد موعظة لعبد الحميد، نبهته إلى العناية بذاته دون ملكه حين أفضت السلطنة إليه بعد أخيه مراد. رأى الشعب موغلا في ظلم الجهالة، لا يدري من نعم الحياة شيئا. وأبصر قوما من نبهاء العثمانيين يقودهم مدحت أبو الدستور، فقال أستميلهم كلهم باللين، حتى إذا خضعت رقابهم وملكت نواصيهم أعملت فيها الشفار القاطعة واقتطفت رءوسهم اقتطافا، وكان مدحت أخذ عليه عهدا بخطه ألا يحيد عن أسلوب الدستور، وألا يستبد برأيه، فرضي بذلك ساكن «يلديز» وأصدر إرادته بإنفاذ القانون الأساسي الذي كان اشترك في تحريره كمال بك وضيا باشا وحرفه سعيد باشا، وفتح مجلس الأمة في سنة 1877 إلى أن ثبت قدمه، وكان اسم مدحت يكاد يغطي على اسم السلطان، فدبت في فؤاده نيران الحسد وأكبر أن يعلوه أحد رعيته مجدا وسؤددا ويسلبه محبة الأمة، ولا يدع له من الملك إلا تاجا أذهبت تألقه الأيام وأبلت جدته العصور، فأضمر له الشر. ولكن كيف يقوى على ذلك ومعه رقيبان لا يغفلان عنه ولا تسام ذمتاهما بأغلى المهور؛ وهما كمال بك وضيا باشا، وكانا جعلا مستشاريه ومراقبيه، فدعا مدحت ذات يوم إلى قصره وقال إن وجود رقيبين عليه يخفض جانبه ويذهب بهيبته ويحقره في أعين أمته، ولعبد الحميد في مثل هذه المضايق حيل لا تخذله، ومدحت وإن عرف بسعة العقل وخلاص الطوية وكثرة التجارب؛ لم يكن من نظراء عبد الحميد في مكايده؛ فدخلت عليه الحيلة ورضي بما نوى سلطانه واستكان.
وما لبث السلطان العثماني أن استطار كمالا وضيا كلا إلى بلدة يحتكمها ظاهرا ويبيت عانيها باطنا. واستشعر مدحت بعاقبة الأمر، وكاد يقضي ندما ولات ساعة مندم. ظفر الجبار أول ظفر وهدم سدين قويين بينه وبين الاستبداد.
عالي باشا.
فما بقي على طاغية الشرق إلا أن يتخلص من مدحت إما بسلم وإما بحرب، ولا سبيل إلى أحد الأمرين. فأقام يترقب الفرص، وفي العين قذى وفي الحلق شجا. فلما كانت سنة 1877 وجعل الجنرال أغناتيف مندوب روسيا في الآستانة يقترح مطالب كلها فضول، وأبى نواب الأمة قبول تلك المطالب، طاب السلطان نفسا وتحفز للوثوب على فريسته، فأعلنت روسيا الحرب المشئومة وخرجت الدولة العثمانية مكسورة القوادم منهوكة القوى، وعقدت معاهدة «سان إستفانو»، وكان مجلس الأمة تفرق جمعه، ومدحت أسقط من مقام الصدارة وطرد من وطنه، إلا أنه بادر إلى برلين وما زال ببسمارك حتى استرضاه بعقد مؤتمر برلين بعدما أقنعه بالحجج الدامغة بأن زوال الملك العثماني يفضي إلى فقدان التعادل في أوروبا ويئول إلى حرب تهلك الحرث والنسل وتأكل كل غارب ومنسم.
هكذا هزم الجيش العثماني، وتفرق نواب الأمة؛ فمنهم من ضافته السجون، ومنهم من أدلي إلى قاع البحر أو نفي إلى الولايات البعيدة، أو هرب ومكن من الخلاص؛ فطاب الوقت لعدو الدستور والمتيم بالاستبداد، وبقي القانون الأساسي ينشر كل سنة في التقويم العثماني الرسمي «السالنامه» وفجر بميثاقه من ينتحل لنفسه اسم الخلافة لرسول الله.
ولما كان هذا السلطان مرزأ بحب النفس والجاه والمال، شديد الجبن، دائم الوسواس، قليل الثقة بأشد رجاله إخلاصا، كثير الارتياب، لا يزول من قلبه الحقد ولا يفارقه حب الانتقام، سل للأمة سيف البغي، فجندل سراتها وأذل أعزتها وجعل سافل ملكه عاليه، فألقت له الأمة الطيبة بمقاليد الأمور، وأذعنت له أيما إذعان.
ولما أصبح الأوائل من رجال تركيا الفتاة. وقد انصدع شملهم، لم يبق منهم إلا من غلب عليه الخوف فآثر السكوت على مضض أو فتنه المال فاختار النفاق؛ حتى لقد صار جماعة من علية القوم وفضلائهم من رجال القلم جواسيس ووشاة وأغدقت عليهم الهبات وفسدت الطباع، فنم الولد على أبيه، وعادى الأخ أخاه، وخان الأمين الأمين، وراجت أباطيل التعصب؛ فتزلف حملة العمائم والطيالس إلى سدرة الملك حيث يدر النوال وترتفع الأقدار.
وإنما نقم رجال تركيا الفتاة على الملوك العثمانيين جهلهم وخمولهم، وما ألفوه من البذخ والترف، وما جروا عليه من ظلم الرعية والتأله عليهم، وإنكارهم على الأمة ما تطلبه من العدالة وهي أصل الحرية والمساواة والإخاء؛ واستكبروا أن يكونوا كالملوك في البلاد المتمدينة. وأبناء الملوك عندنا لا يربون على ما يفتح أذهانهم ويهذب أخلاقهم ولا يتقنون من العلوم إلا مبادئ في أمر الصوم والزكاة والصلاة ولا ينظرون من الكتب المؤلفة إلا في كل قديم منها، مشحون بما لا يسعه العقل من «آلتي بارمق» و«أنوار العاشقين» و«علم حال»، ولا يتعلمون إلا ما لا يذكر من اللغة العثمانية في كتب مثل «التحفة الوهبية» و«بند عطار» و«كلستان» و«بوستان»، ولا يلقنون إلا بعض كل ما كان غريبا من جيده ورديئه ، ثم هم يرون كيف يعيش آباؤهم ومن هم فوقهم سنا؛ فينغمسون في الملاهي ويقضون أيامهم بين الأبكار العون من الولائد، في قصف وعزف ومعاقرة ولهو، وهم بمعزل عن أمور الملك، ولا يأذن لهم بمعاناتها أحد ممن ولي الأمر خشية ورقبة.
أما رجال الدين وهم عيال الرجال، فينبشون عن منسوخة الأحاديث وغير الصحيح منها، فلا يروون للملوك إلا ما كان حثا على طاعتهم مثل قولهم: «قلب السلطان بين أصبعي الله يقلبه كيف يشاء.» وقولهم: «الملوك ملهمون.» وقولهم: «اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة.» كل ذلك يفسدون به أخلاق الملوك تقربا إلى جفانهم واستجداء لحبواتهم، فما يخرج هؤلاء إلا يدخل السائلون المادحون، ونسميهم مسامحة شعراء؛ ليمدحوا الظالم سفاك الدماء وناهب العباد، فيقولون له: «إن بين غلائلك لعدلا من الله وبين جنبيك لروح القدس. يا مجزل العطاء ومولى النعم، يا من يخصب بأمرك المحل وتجري الرياح، وتنقاد لمشيئتك الأقدار، وتحسد السماء الأرض إذ كانت موطئا لأقدامك، يا ظل الله وباني الكون، يا من عتبته فوق الأفلاك ...» إلى غير ذلك مما يستحي من ذكره ويشمئز من سماعه كل من كان في فؤاده مثقال خردلة من العقل والإنصاف. ولا يكتفي أمثال هؤلاء بما أجملنا قليله، بل يختلقون لأنفسهم ما يمكن في قلوب الملوك مكانتهم ويعليها، ويتحكمون به على الأمة وهي غافلة عنهم، فيروون مثل قولهم «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل.» ويأتون بآيات من القرآن العظيم لا تصدق في أحد منهم، كقوله تعالى: «إنما يخشى الله من عباده العلماء» وفيهم من بلغت به القحة إلى أن قرأ لفظة الجلالة مضمومة والعلماء مخفوضة، ففسر الآية الكريمة بغير معناها الأصلي.
Bog aan la aqoon