Macluumaadka La Yaqaan iyo Kuwa Aan La Aqoon
المعلوم والمجهول
Noocyada
وأقبح من كل ما تقدم أن عبد الحميد كان كلفا بالاستقلال، فلم يشأ أن يكون لغيره رأي في كبيرات الأمور ولا صغيراتها، وسيان لديه تولية وال وتوظيف أحد رجال الجاندرمة، كل يكون بإرادة سلطانية. وقد تولى تدبير حركات الجيش في الحرب الروسية وهو بقصره بين جواريه وغلمانه، فكانت العاقبة أن جاءت الجنود الروسية إلى عاصمة ملكه، وكادت تطأ سنابك أعوجياتها حجرة نومه لولا فضل الأسطول الإنكليزي ووقوف جباله الشم تلقاء «سان استفانو».
ولينظر القراء من اختارهم لدولته من الصدور والوكلاء؛ أما والله لم يكن بينهم ذو عقل ولا من يليق به أن يكون من الرعاة. هذا وفي الناس من يتوهمون أن عبد الحميد كان من الدهاة.
جهل الأمة وأطماع قادتها ومقاصد أوروبا من منن الدهر التي يشكره عليها عبد الحميد. والآن وقد أنزله الله من عرشه وجعل مأواه بيتا كان لا يرضى أن يهب مثله لنديم من ندمانه، وترك لنا بقية ملك يحاول كل عثماني أن يرقعها بشغاف فؤاده، فلا يجمل بنا أن نخدع أعقابنا ونوهمهم أن الرجل الذي أبت نعمة الله أن تساكنه كان ملكا من كبار الملوك.
الجزء الثاني
مقدمة
قد علم من قرأ الجزء الأول من هذا الكتاب بعض ما كان يقع بعاصمة الملك العثماني في عهد حكومة الاستبداد البائدة. وما ذاك بالكل ولا بالجل، إن هو إلا مجمل ما عرفته معرفة المشاهد وخبرته خبر المجرب، ولم أتعرض لما شاع على ألسن الرواة أو ذكر في صحف الأخبار؛ إذ لم آمن عليه غلبة الأهواء وكذب الرواية. ولكن اتهمني بعض الخلان بجعل الشكوك بمنزلة الحقائق في تسجيل التاريخ، وبالميل مع الهوى في مقاضاة الرجال، وليس ذلك من الصواب في شيء، وكيف يكون صوابا وأنا الذي عانيت صعب مراس الأيام واستهنت فادحات الخطوب وأعرضت عن بسمات المعالي لكلمة حق أقولها، ولو تكتمتها لاقتصدت في عداوات الرجال.
نظر أناس في الجزء الأول من المعلوم والمجهول فرأوا صورة اللورد كرومر وقد كتبت تحتها «مصلح مصر»، فألقوا بالكتاب جانبا وأطبقوا جفونهم وولوا عنه هاربين؛ راعهم شخص ذلك الرجل الجليل على الورق فأخذتهم سورته ولم تقو عيونهم على النظر في وجهه، فكيف بهم لو تمثلوا بين يديه ورن صوته في آذانهم. وقد زعموا بعد ذلك أني صنيعة الرجل، والرجل لا علم له بكتابي إلى يومنا هذا. وهال بعض الجرائد ما في الكتاب فأمسكت عن الكلام فيه. لم تشأ تقريظه ثقة منها بأن ستشتمها الصحف التي تشتم اللورد كرمر، ولم ترد نقده علما منها بأن سأحجها إذا دعت إلى النزال. وتراضينا في هذه القضية على السكوت.
يا حرية، ظننت بأن سيكثر المتنافسون فيك فخفت أن ينفسوا علي، وإذا هم يدعونك ولا يعرفونك؛ فلن أخاف منذ اليوم رقيبا. أنا عرفتك وهمت بك هياما، فأنا صاحبك من قبل ومن بعد. يريدون أن أكتب ما يريدون وأريد أن أكتب ما أريد. اتسعت مسافة الخلف بيني وبينهم. الشرق وطني وأنا في الشرق غريب. ولا ضير إن أعرض عن مقالي أهل زماني فغدا يتهافت عليه أبناؤهم؛ «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.»
على أنني طويت أشياء كانت ذكرت في الفهرست الذي طبعته قبل الكتاب ورضيت أن تتأجج في فؤادي حسراتها وقلت: يا نفس ردي موارد الصبر، وما أنا بالجبان في قول الحق. غير أني أشفقت على القلوب الحرة أن يذيبها حر أنفاسي. وقد أتت حالات عجزت عن تحويلها، وها أنا اليوم مقر بعجزي ومعترف بذنبي. وإذا كانت لي في ذمة الدهر أيام رجوت أن أجد السبيل إلى زيادة الإفصاح، وألا أموت نصف حر بل أن أموت حرا كاملا.
واليوم آن لي أن أنجز الجزء الثاني من المعلوم والمجهول، وسيأتي فيه ذكر أشياء كثيرة لم يسبقني أحد إلى بيانها، فأرجو ممن سيطالعون هذا الكتاب من خصومي أن يحكموا فيه ضمائرهم دون أهوائهم، وألا يتعجلوه بمدح أو ذم قبل إكمال مطالعته.
Bog aan la aqoon