ألا يستطيع أن يعمل خيرا ويعيش مثل الناس؟ فماذا يبرر هذا الشذوذ ويعفي الرجل من البهلة فلا يكون هملا، كما حذرنا هو، ولا يترك سدى؟
عبثا نحاول حل مشكلة المعري على مذاهبنا المعلومة المكشوفة؛ فهو لا يدين بها، وقد حمل عليها حملات عنيفة؛ فلا نحاول تبرئته فنتمسك بما هو أوهى من خيط العنكبوت؛ وإني لأجل صدقه، فهو أجل وأسمى من أن يكون ملحدا معطلا، كما سماه ابن الجوزي في «تلبيس إبليس». إنه لم يصرح بدينه لا سرا ولا جهرا لا تلميحا ولا تلويحا، حتى في أحرج الساعات وأرذل العمر، حين يمسي الرجل إمعة، ساعة هاجم حصنه داعي الدعاة وأراد أن يريح العالم من دينه ... (لا تنس أنني أحدثك هنا عن فهمي الأول للمعري) كان في استطاعته أن يقول كلمة واحدة تريحه وتغنيه عن ذاك اللف والدوران، ولكنه أبى أن يكون منافقا، ومذهبه يقوم على «الصدق» وإن جوز الكذب عند الضرورة القصوى، كما سترى.
إن لم يكن المعري يريد إشادة مذهب جديد، فهو على الأقل ذو مذهب، فما هو ذاك المذهب؟ هذا ما سيضطرب له الأستاذ رئيف خوري.
روي أن أبا العلاء، حين كتب «معجز أحمد»، قال: «كأن المتنبي نظر إلي بعين الغيب فقال:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم.»
وأنا أقول: كأني بصديقي الأديب الكبير رئيف خوري قد دخل مخدعي منذ شهور، وفتش أوراقي - وفيها المحظورة قراءته والمباحة - كأني به قد حضر إحدى الجلسات التي كنت أستنطق فيها أبا العلاء القائل:
لا تخبرن بكنه دينك معشرا
شطرا وإن تفعل فأنت مغرر
واصمت فإن الصمت يكفي أهله
Bog aan la aqoon