"أرى الصبر محمودا وعنه مذاهب"
وقول الآخر: ... ... "والصبر يحمد في المواطن كلها"
وهذا يقتضي أن الحمد مرادف للمدح، كما هو مذهب بعضهم.
قال القطب: وهذا القول ظاهر قول علمائنا -رحمهم الله- في قولهم: "لو صح مذهب المجبرة لبطل المدح والذم والثواب والعقاب".
أقول: ولا يظهر من هذا القول ترادف الحمد والمدح؛ لأن المدح أعم من الحمد، فإذا بطل الأعم الذي هو المدح بمقالة المجبرة بطل الأخص الذي هو الحمد، فظهر أنه لا يدل على ترادف الحمد والمدح.
وقد فرق بعضهم بين الحمد والمدح بوجوه:
أحدها: أن المدح قد يحصل للحي ولغير الحي، ألا ترى أنه يقال: "مدحت اللؤلؤة لحسنها"، ولا يقال "حمدتها لحسنها". وكذلك يمتنع أن يقال: "حمدت زيدا لرشاقة قده".
ورد بأن قولك: "مدحت اللؤلؤة على حسنها" لم تتكلم به العرب، و"مدحت زيدا على رشاقة قده" باطل غير صواب؛ فإن صح عن العرب فإنما يكون مدحا بسبب أنه يدل على فعل اختياري، كما يقال: "حسن الصورة يدل على حسن السيرة" لا من حيث كونه رشيق القد، وهذا الرد إنما هو من جانب من ادعى ترادف الحمد والمدح.
الوجه الثاني: أن المدح قد يكون قبل الإحسان، وقد يكون بعده؛ أما الحمد فإنه لا يكون إلا بعد الإحسان، كذا قال الفخر، وهو وجه إنما تظهر صحته على مذهب من لم يثبت الحمد على الصفات الذاتية بل على الصفات الفعلية خاصة، والحق ثبوت الحمد له تعالى على صفاته الذاتية والفعلية، فهو تعالى مستوجب للحمد، ومستحق له من قبل الخلق ومن بعدهم.
الوجه الثالث: أن المدح قد يكون منهيا عنه، قال عليه الصلاة والسلام: «احثوا التراب في وجوه المداحين».
Bogga 22