216

Macaani al-Akhbaar

مcاني الأخبار

Baare

محمد حسن محمد حسن إسماعيل - أحمد فريد المزيدي

Daabacaha

دار الكتب العلمية

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٠هـ - ١٩٩٩م

Goobta Daabacaadda

بيروت / لبنان

وَحُطُومِهَا، وَالْمُنَافَسَةُ فِيمَا تُؤَدِّي إِلَى الْحِرْصِ عَلَيْهَا وَالْجَمْعِ لَهَا، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا وَالضَّنِّ بِهَا. فَقَوْلُهُ: «لَا تَنَافَسُوا» نَهْيٌ عَنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَزَجْرٌ عَنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ. وَقَوْلُهُ ﷺ: «لَا تَدَابَرُوا» أَيْ لَا تَخَاذَلُوا، وَلَا تَغْتَابُوا، وَلَا يَبْغِي بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ غَائِلَةً، بَلْ تَعَاوَنُوا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ ﷿ بِقَوْلِهِ ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢]، وَبِقَوْلِهِ ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: ١٢]، وَقَوْلِهِ ﷺ: «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» أَيْ لَا تَتَرَافَعُوا وَلَا تَتَعَالَوْا فَإِنَّكُمْ كُلَّكُمْ عِبَادُ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: «إِخْوَانًا» يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا فِي التَّدَابُرِ؛ لِأَنَّ التَّخَاذُلَ هُوَ إِعْرَاضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَهُوَ التَّدَابُرُ؛ لِأَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ إِذَا عَرَضَ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ دُبُرُهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ صِفَةُ الْأُخُوَّةِ بَلْ صِفَةُ الْأُخُوَّةِ التَّقَابُلُ، وَأَنْ يَكُونَ وَجْهُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿إِخْوَانًا عَلَى سُرَرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر: ٤٧]، فَوَصَفَ الْإِخْوَانَ بِالتَّقَابُلِ وَهُوَ أَنْ لَا يُعْرِضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، فَهُوَ أَنْ لَا يَأْخُذَهُ وَلَا يَجْعَلَهُ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ، وَلَا يُدْبِرَهُ بِسُوءٍ قَوْلًا فَيَكُونَ غَيْبَتَهُ، أَوْ فِعْلًا فَيَكُونُ بَغْيًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. مَعْنَى الْخَبَرِ: لَا تَبَاغَضُوا أَيْ: لَا تَخْتَلِفُوا فِي الْآرَاءِ، وَلَا تَبَايَنُوا فِي الْمَذَاهِبِ وَالْأَهْوَاءِ فَتَبَاغَضُوا بِهَا؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ تُوجِبُ الْبُغْضَ وَتَرْكَ الْمُوَالَاةِ
حَدِيثٌ آخَرُ
ح أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَرَوِيِّ قَالَ: ح أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ بْنِ عُرْيَانَ قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: ح حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ﵁ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ [الأنعام: ٦٥] قَالَ ﷺ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ» قَالَ: فَنَزَلَتْ ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام: ٦٥]، فَقَالَ: «هَذَا أَهْوَنُ» ⦗٣١٤⦘ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: قَوْلُهُ ﷿ ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ [الأنعام: ٦٥]، قِيلَ مَعْنَاهُ: فَجَعَلَكُمْ مُخْتَلِفِينَ مُتَفَرِّقِينَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ وَالْفُرْقَةُ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ يُلْقِيَهُ فِيهَا وَبَيْنَهَا فِي الْمُنَازَعَاتِ وَمُطَالَبَةِ حُظُوظِ الْأَنْفُسِ مِنَ الْوَلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ وَأَسْبَابِ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمْ فِرْقَةَ الْأَبْدَانِ أَوْ إِتْلَافَ الْأَنْفُسِ فِي مُنَازَعَةِ الدُّنْيَا، وَمُجَاذَبَةِ الْمُلْكِ فِيهَا، وَطَلَبَ الرِّفْعَةِ وَالْعُلُوِّ فِيهَا، وَجَمْعِ حُطَامِهَا وَالْإِسْتِيلَاءِ عَلَى الْأَمْرِ فِيهَا دُونَ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ، وَالتَّبَايُنِ فِي الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ وَالْآرَاءِ الْمُغْوِيَةِ الَّتِي تَخْرُجُ إِلَى نَفْيِ ذَاتِهِ ﷿، وَتَعْطِيلِ صِفَاتِهِ الَّذِي يَرْجِعُ أَكْثَرُهَا إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ الْمِلَّةِ. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى مُعَاوِيَةَ ﵁ فَقَالَ لَهُ: جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَكْذَبِ النَّاسِ، وَأَجْبَنِ النَّاسِ، وَأَبْخَلِ النَّاسِ - يَعْنِي عَلِيًّا ﵁ فَأَعْطَاهُ وَأَكْثَرَ لَهُ ثُمَّ خَلَا بِهِ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ كَيْفَ قُلْتُ: أَكْذَبِ النَّاسِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَهُوَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، وَكَيْفَ قُلْتَ: أَجْبَنِ النَّاسِ وَقَدْ عَلِمَتِ الْعَرَبُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَشْجَعُ مِنْهُ، وَكَيْفَ قُلْتَ: أَبْخَلِ النَّاسِ وَمَا جَمَعَ قَطُّ صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ؟ أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ فَعَلَامَ تُقَاتِلُهُ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: عَلَى أَنْ تَجُورَ طِينَةُ هَذَا الْخَاتَمِ فِي الْأَرْضِ. فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ قِتَالَهُ إِيَّاهُ وَاخْتِلَافَهُ عَلَيْهِ وَمُفَارَقَتَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَكُنْ لِلدِّينِ وَإِنَّمَا كَانَ لِلدُّنْيَا، فَافْتَرَقُوا لِلدُّنْيَا، وَاجْتَمَعُوا فِي الدِّينِ، فَكُلُّ مَنْ مَلَكَ نَصَرَ الدِّينَ وَأَهْلَهُ، وَقَمَعَ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ، فَتَحُوا الْأَمْصَارَ، وَأَسْلَمُوا الْكُفَّارَ، وَقَمَعُوا الْفُجَّارَ، وَدَعُوا إِلَى كَلِمَةِ التَّقْوَى، وَمِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى جَمَعَهُمُ الدِّينُ، وَفَرَّقَتْهُمُ الدُّنْيَا فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ بَأْسَهُمْ، وَقَتَلَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، وَأَلْفَاهُمْ عَنْ سَلَامَةٍ مِنِ اعْتِقَادِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ، وَإِقَامَةِ شَهَادَاتِهِمْ، فَكَانَ بَأْسُهُمُ الَّذِي أُذِيقُوهُ كَفَّارَةً لِمَا اجْتَرَمُوهُ، وَتَمْحِيصًا فِيمَا اكْتَسَبُوهُ

1 / 313